الأحد، 2 أبريل 2017

بروفايل| محمود حسن إسماعيل.. شاعر الكوخ والنهر الخالد

البديل
بروفايل| محمود حسن إسماعيل.. شاعر الكوخ والنهر الخالد

مصر ظمأى وذلك الدم ريّ .. لصداها فلا تنوحوا عليهِ

كم سقتنا من سلسل النيل خمرا.. لم تُفض كأسها سوى شفتهِ

ما لنا نرخص الدموع إذا ما .. سفكت قطرة على شاطئيهِ

وهو أحرى بأن نسوقَ الضحايا .. حاشداتٍ تزفّ لهفى إليهِ

صرخة مصرُ للظلوم ولكن .. غلّف الظلمُ جهرةً أُذُنيهِ

تأخذ النار والرصاص جوابا .. للذي يشتكي إساراً لديهِ

ولوى جيدة عن الثائرِ الحرّ .. وشدّ الأغلال في ساعديهِ

وأعار الدماءَ نظرةَ ذئبٍ .. يقطرُ اللؤم من سنا عينيهِ

فلنثر ثورة الأبيّ ونُلقي .. كل يومٍ ضحيةً في يديهِ

علّ طُهرَ الدماء يُلهمه الطهرَ .. ويَمحو الأرجاسَ من جانبيهِ!

ألقى الشاعر الراحل محمود حسن إسماعيل تلك الكلمات على قبر الجراحي شهيد ثورة 1935، ليلة الاحتفال بدفنه يوم 19 من نوفمبر، وتعود أحداث تلك الواقعة إلى مظاهرات الطلبة التي خرجت من حرم جامعة فؤاد الأول، انطلاقًا إلى بيت الأمة وميدان عابدين، وأطلق الإنجليز النار عليهم؛ ليسقط أول شهيد، وهو محمد عبد المجيد، الطالب فى كلية الزراعة، حاملًا العلم المصري، فحمل عنه العلم عبد الحكم الجراحي، الطالب في الصف الثالث بطب قصر العيني، قبل أن يسقط العلم على الأرض؛ ليستشهد إثر إصابته بـ 8 رصاصات، وكانت جنازته من الجنازات الكبرى في التاريخ المصري.

نشأته داخل الصعيد

كتب الشاعر محمود حسن إسماعيل عن الوطن وعن الحب والطبيعة، بالإضافة إلى قصائد صوفية في حب الله ورسوله، وأثرت نشأته في الصعيد على كتابته، فقد ولد في قرية النخيلة بمحافظ أسيوط، وذلك في الثاني من يوليو عام 1910، واستكمل دراسته الأساسية، إلى أن دخل كلية دار العلوم، وبرزت موهبته ونبوغه في الشعر، ليصدر عنه أول ديوان شعري وهو لا يزال طالبًا عام 1935، بعنوان “أغاني الكوخ”، ويكون أول شاعر يتحدث عن الكوخ وليس القصور.

يقول إسماعيل بديوانه الكوخ “عشت في قريتنا السنوات الأولى، ولم أكن في معظم الوقت مع أهلي، بل على مشارف نهر النيل، جنوب أبوتيج، بكوخ كان هو بيتي وصومعتي. كنت أعيش في الغيط أتابع الذرة منذ غرسها وحتى الحصاد، أشارك في العمل، أعزق الأرض، وأبذر الحَب، وتعلمت في الكوخ، ودرست فيه، كنت أقرأ في الكوخ الصحف التي كانت تأتي إلى الباشا صاحب الضيعة المجاورة لحقلنا، وكان شخص يعمل عنده اسمه فريد يذهب كل يوم إلى مكتب البريد لإحضار بريد الباشا، أتصفح بعض ما يحمل، وأطالع المجلات التي لم تكن متوفرة لديَّ. لم تكن لديَّ في الكوخ غير الكتب المدرسية، ولم أقرأ غير شعر مكرر وتعبيرات المحفوظات المقررة، ومن هذه المحفوظات بدأ رفضي لكل قول زائف”.

وتحدث عن ديوانه الأول قائلًا “يمثل إحساسي بالرفض لعالم القرية، الذي يخيم عليه الرق والمسكنة والتجبر والمغايرة الشنيعة بين إنسان وآخر في كل شيء، والتناقض بين طرفي الإنسان: إنسان في الهلاك من الذل والحرمان، والآخر يكاد يهلك من البطنة والترف والاستعلاء الجائر”.

تخرج بعد ذلك في جامعة القاهرة عام 1936، بعد حصوله على ليسانس دار العلوم، وعمل محررًا ومساعدًا للدكتور طه حسين بالمجمع اللغوي المصري، إلى أن انتقل للإذاعة المصرية كمستشار ثقافي، حيث تقلد منصب مدير عام البرامج الثقافية والدينية ورئيس لجنة النصوص بالإذاعة المصرية. أنشأ محطة القرآن الكريم، وجمع تسجيلات الشيخ محمد رفعت وحفظها، وفي السبعينيات سافر إلى الكويت كمستشار بلجنة المناهج بوزارة التربية حتى أحيل إلى التقاعد.

الشاعر المعاصر الوحيد

أشاد بشعره النقاد، وكتب ألوانًا مختلفة من الشعر في الحب وجمال القرية وأهلها والأرض والزرع والنبات والنيل، وكتب عن الصوفية والحب الإلهي، فأصبح موضوعًا لعديد من الرسائل الجامعية؛ باعتباره واحدًا من شعراء التجديد، والذي تميز بشعره العربي المعاصر.

عبرت أشعاره عن معاناة البسطاء وأحزان الفلاحين، وصدر له 14 ديوانًا، منها: “قاب قوسين، صوت من الله، هدير البرزخ، أين المفر، نار وأصفاد، الشعر في المعركة (أصدره على جزأين)، هكذا أغني، الملك، لا بد، التائهون، صلاة ورفض، هدير البرزخ، نهر الحقيقة ، موسيقى من السر، رياح المغيب (نشرته دار سعاد الصباح لأول مرة عام 1993)”.

جزء من قصيدة “الله”

زعموا لقاء الله وحدهم وجل!

فنوره غمر الدهور

في الحب في الأمل المخلق

في الأجنة فى البذور

في الريح فى النسم المرنح

في العشايا والبكور

في الطيف تلمحه ظلال ظلاله فوق الغدير

كما نشر عددًا من المقالات والقصائد والدراسات الأدبية في كثير من الصحف، منها: “السياسة الأسبوعية، الوعي الإسلامي الكويتية”، ونال عدة جوائز، وسام الجمهورية من الطبقة الثانية عام 1963، وجائزة الدولة التشجيعية عن ديوان قاب قوسين عام 1964، ووسام تقدير من الرئيس التونسي الحبيب بورقيبة، وجائزة الدولة في الشعر سنة 1965.

التغني بأشعاره

تغنى بشعره كبار المطربين، من بينهم أم كلثوم وعبد الوهاب وعبد الحليم حافظ، ومن أشهر قصائده “النهر الخالد”، “ودعاء الشرق” للموسيقار محمد عبد الوهاب، و”بغداد يا قلعة الأسود” التي غنتها أم كلثوم، وأنشودة “يد الله” للمطربة نجاح سلام، و”نداء الماضي” التي غناها عبد الحليم حافظ، و”الصباح الجديد” التي غنتها فيروز.

رحل الشاعر محمود حسن إسماعيل عن عالمنا عام 1977 في الكويت، ونقل جثمانه إلى مصر، حيث دفن في ثراها، وكانت مصر في وجدانه طوال فترة غربته عنها.

The post بروفايل| محمود حسن إسماعيل.. شاعر الكوخ والنهر الخالد appeared first on البديل.


ليست هناك تعليقات

جميع الحقوق محفوظة لــ مدونة عربي التعليمية 2015 ©