البديل
قرية الفرستق.. قطعة من اليابان على أرض مصر
على مقربة من نهر النيل فرع رشيد، وعلى مسافة 5 كيلو مترات من مدينة بسيون، تقع قرية الفرستق بمحافظة الغربية، والتي يبلغ عدد سكانها نحو 20 ألف نسمة، فهي ذات طبيعة خاصة تختلف عن قرى محافظات مصر التي غالبًا ما يعاني أهلها مشكلات عديدة، وأهم ما يميز «الفرستق» أنها لا تعرف البطالة المنتشرة في ربوع الوطن.
«البديل» انتقل إلى «فرستق بسيون» التي أطلقنا عليها «خلية النحل البشرية» لتتعرف على هذه القرية النموذجية.
أهم ما لفت انتباهنا منذ وطأت أقدامنا مدخل القرية النظافة والهدوء وعدم وجود مقاهٍ، بل إنك تشعر أن كل شيء يسير وفق نظام، رغم النشاط والعمل والإنتاج المتواصل، والذي جعل اسم الفرستق معروفًا ومنتشرًا في الداخل والخارج على السواء.
كان لافتًا ذكاء أهل الفرستق في استثمار الموارد البشرية قبل الموارد الطبيعية؛ فصنعوا لأنفسهم ولأولادهم واقعًا جميلًا ومستقبلًا مبشّرًا، من خلال مصانع الفخار والخزف والبويات والمواد الكيماوية والطوب الأسمنتى، فالقرية تمتلك من العقول المبتكرة والأيدي العاملة الماهرة ما ساعدها على الوصول إلى العالمية، فالكل يعمل دون انتظار للوظيفة الميري.
سألنا عم محمد: لماذا لا توجد في قريتكم مقاه؟ فقال: ليس لدينا وقت للجلوس عليها، فمع إشراقة شمس كل يوم يذهب الفلاحون إلى حقولهم، والشباب من خريجي الدبلومات والجامعات إلى مصانعهم، وتصبح الفرستق خلية نحل، كلٌّ يؤدي عمله، ويعرف التزاماته وواجباته، فلا وقت للقهاوي!
صناعة البويات والدهانات
داخل أحد مصانع البويات، التي تشتهر بها الفرستق، قال مصطفى محمود، أحد العاملين بمجال صناعة البويات والدهانات: أعمل بهذه الصناعة منذ عام ١٩٩٩، وقريتنا لا توجد بها بطالة؛ لأنها لا تعتمد على الزراعة فقط، بل يعمل معظم أهلها في الصناعات الصغيرة؛ مثل الفخار والخزف والطوب الأسمنتى والدهانات، وبالتالي ليس هناك مجال للبطالة داخل قريتنا.
وأضاف أن المواد المستخدمة في صناعة البويات والدهانات مستوردة ما عدا الرمل، ولذلك تأثرنا بارتفاع سعر الدولار، فانخفضت مبيعاتنا، وبالتالي تراجع معدل إنتاجنا، مشيرًا إلى معاناته تتلخص في تسويق منتجه، حيث تسيطر الشركات الكبيرة على السوق، فمثلًا وزارة الإسكان لا تتعامل معنا لكوننا مصانع صغيرة، رغم حصولنا على شهادات بصلاحية منتجاتنا للتصدير!
وأكد أن تعويم سعر الجنيه مقابل الدولار أثر علينا، حيث زادت تكلفة المواد المستخدمة بنسبة ٧٠٪ وهذا ما اضطرنا لرفع سعر المنتج ٢٠٪ وكان لهذا تأثير علينا بالسلب الفترة السابقة، ونتمنى عودة الأمور إلى نصابها، كما نطالب بدعم القوات المسلحة ووزارة الإسكان لمنتجات المصانع الصغيرة، من خلال إعطائهم فرصة لإثبات جودة إنتاجهم، وأن مصانعنا الصغيرة تستطيع تلبية الطلبيات كافة.. فقط نحتاج إلى فرصة.
ومن داخل أحد مصانع البويات والدهانات، الذي يعد أكبر المصانع بالقرية، عرفنا أنه المصنع الثالث على مستوى الجمهورية في تصدير الدهانات للخارج وتوزيعها بالداخل، وأنه يستورد المواد المستخدمة في تصنيع منتجاته من ليبيا والسودان، حيث نستخدم محليًّا كربونات الكالسيوم ونستورد الإكريلك والإضافات الكيماوية.
صناعة الجمال من الفخار
التقينا أحد العاملين بمصانع الفخار، عزت محمد يوسف، الذى أكد لنا أنه يعمل بصناعة الفخار منذ ٣٠ عامًا، مشيرًا إلى أن هذه الصناعة تمر بعدة مراحل، ابتداء من استخدام الطمي ليصل إلى أوانٍ فخارية مزينة تستخدمه بعض العرائس لتزين جهازها به، وتستخدمه في أعمال الطهي.
وأضاف: العمل في المصانع الصغيرة يشبه خط الإنتاج في المصانع الكبيرة، حيث تمر صناعة الفخار بمراحل عديدة، يد تسلم أخرى، وتبدأ بتجهيز الطمي والتشكيل والزخرفة والرسم والتلوين، والنشر في الشمس لمدة يوم ثم دخول الفرن تحت درجة حرارة تتجاوز ألفًا و٨٠٠ درجة مئوية، وبعد الانتهاء يكون المنتج جاهزًا للطرح بالأسواق.
وأضاف أحمد فتحي زلط أنه يعمل بصناعة الفخار منذ ٣٠ عامًا أيضًا، وأنها حرفة متوارثة، وانخفض الإقبال عليها؛ بسبب ارتفاع أسعار المواد المستخدمة في الصناعة، ورغم ذلك لم نرفع السعر إلَّا قليلًا؛ لأن ما يهمنا هو تسويق منتجنا وسمعتنا بالسوق.
وأكد حمدى أبو جبل، بكالوريوس خدمة اجتماعية، أنه يعمل بصناعة الفخار منذ ٢٠ عامًا، حيث يرسم ويزين الفخار، مشيرًا إلى أن عملية تسويق منتجاتنا تتم في السوق المحلية والسوق العربية وبعض الدول الأوروبية، وأضاف أن صناعة الفخار بمصر من أقدم الحِرف، حيث كانت موجودة بمصر القديمة، ولكن تشتهر بها قرية الفرستق، حيث يوحد بها نحو ١٠٥ مصانع يعمل بها نحو 5 آلاف عامل بشكل مباشر، وأكثر من 25 ألفًا من العمالة غير المباشرة، كما يعمل بها شباب حاصل على مؤهلات عليا ومتوسطة، ولذلك لا ننتظر وظائف الحكومية التي لا نعلم متى ستأتي!
من جانبه أكد علي يوسف أبو عقيل، رئيس مدينة ومركز بسيون، أن اللواء أحمد ضيف صقر، محافظ الغربية، في زيارته الأخيرة للقرية منذ شهرين، حل مشكلات الصناع الخاصة بنقص الغاز والكهرباء، حيث أمر بتغيير محول الكهرباء من ٥٠٠ إلى ألف كيلو وات وزيادة ١٠٠ أسطوانه غاز طبيعى يوميًّا، وبذلك لا توجد بالقرية أي مشكلات، بالنسبة لما يقال عن استخدام المواد السامة، فأكد أنه تم منعها لحماية صحة العمال وتحويل الآلات من النظام القديم إلى الحديث، الذي يساعد على إنجاز العمل في وقت أسرع مع جودته.
The post قرية الفرستق.. قطعة من اليابان على أرض مصر appeared first on البديل.
ليست هناك تعليقات