البديل
الوسط والشمال السوري.. كل الطرق إلى دير الزور
يشهد القطاع الشمالي من وسط سوريا في الفترة الحالية سلسلة متتابعة من العمليات العسكرية للجيش السوري، نجحت في تقطيع أوصال مساحات السيطرة الداعشية، انتصارات تدريجية متوالية كفلت للدولة السورية توسيع مساحة سيطرتها شرق محافظتي حمص وحماة بشكل جعل من مساحة سيطرة الدولة كيانا أكثر تماسكا، بإزاحة الوجود الداعشي شرقا نحو الصحراء وتثبيت وضع مستقر للوسط السوري المتمثل في مثلث حماة – حمص – تدمر (شرق حمص). الحقيقة أن تلك السلسلة من العمليات – كما استشرفنا في هذه المساحة المقروءة منذ أقل من شهر – تخلُص في إتمامها إلى وضع محاور هجوم مباشر نحو نقطة وصول واحدة هي دير الزور، المعقل الأخير لداعش.
1- طريق إثريا الرصافة
ستكفل السيطرة على هذا الطريق وتصفية الجيب الداعشي الصغير في شَماله (انظر 1 على الخريطة)، بموازاة تثبيت الوضع الجديد للجيش السوري في جنوب الرقة، استكمال تطهير جنوب شرق حلب بشكل نهائي، بعد سيطرة الجيش السوري مؤخرا على بلدة مسكنة الكبيرة وطرده لداعش منها، مما فتح له الطريق نحو جنوب الرقة الذي يُعَد الوصول له مكسبا استراتيجيا ستتضح مفاعيله على طاولة المفاوضات مستقبلاً، مع الشروع الأمريكي الكردي في تسليم محافظة الرقة إلى مجلس “سنّي” متآلف مع الأكراد، ليحكمها خارج مظلة الدولة الوطنية السورية الموحّدة.
سيؤدي تطهير مثلث مسكنة – خناصر – إثريا أيضا إلى تثبيت الوضع السوري في عموم المنطقة التي تحكمها الدولة في حلب، بالثقل الاستراتيجي لهذه المحافظة في مواجهة تركيا والولايات المتحدة التي تدعم “قوات سوريا الديمقراطية”، وإغلاق ملف التواجد الداعشي في الشمال السوري على الوضعية الجديدة التي تتنافس في إطارها الدولة السورية مع الولايات المتحدة والأكراد وتركيا في معادلة الشمال السوري، وما سيتبع ذلك من عزل أكبر لمحافظة إدلب بما فيها من فصائل إرهابية مدعومة تركيًّا.
2- قطاع حمص – إثريا – تدمر
خلال أشهر من العمليات في محيط تدمر، شهدت استخدام الأخيرة كـ”مروحة” عسكرية تبعث خطوط الهجوم في جميع الاتجاهات تقريبا، نجح الجيش السوري في توسيع سيطرته على قطاع شرق حمص القريب، لكن الانغماس والتركيز السورييَن في الشرق الأبعد لحمص، أي القطاع الصحراوي الحدودي منها، أبطأ من عمليات الجيش في القطاع، مما أبقى على جيب داعشي كبير نسبيا في الوسط السوري، لم تنسحب مكوّناته شرقا إلى الصحراء، إلا أن الجيش استطاع السيطرة على نقاط هامة كان أبرزها حقل الشاعر للغاز الطبيعي وقاعدة T4 الجوية وغيرهما، مما ساعد على الشروع في تكوين محور هجوم جديد سينطلق بين تدمر وشرق إثريا ليطبق على الجيب الداعشي (انظر 2 على الخريطة)، وسيشمل تأمين طريق حويسس السلمية.
سيؤدي تصفية الجيب الداعشي إلى تأمين كامل لمحافظة حماة وشرقها وكذلك حمص وشمالها الشرقي، ومن هنا سينحسر وجود داعش أفقيا نحو الشرق إلى مرتكزها في دير الزور، وسيكون بين منسحبي داعش والأخيرة صحراء هي في ذاتها مسرح لعمليات مرتقبة للجيش السوري كما سنورد فيما يلي، وعلى أي حال سيوفر تصفية وضع قطاعي 1و2 كما نرى على الخريطة استقرارا لوضع الدولة السورية في الوسط السوري وظهيره الشمالي لإغلاق ملف محافظة حماة بشكل تام تقريبا، والاقتراب من إغلاق ملف حمص خاصةً مع الانتصارات الموازية لما سبق والتي تم تحقيقها في أقصى شرق حمص على أرض البادية السورية والحدود مع العراق.
3- طريق الرقة دير الزور
باندفاعة أطلقها الجيش من جنوب شرق حلب واستطاع تطهيره والسيطرة على المرتكز الداعشي في مسكنة، استكمل السوريون طريقهم نحو جنوب الرقة في سباق مع الزمن ومدوا ذراعا من السيطرة قد يكون ناقصا (نظرا لوجود الجيب المذكور في رقم1) لكنه كان كافيا لتثبيت نقطة ارتكاز في الشمال تتيح مشاركة سورية في “معادلة الرقة”، المحافظة التي تريد الولايات المتحدة التحكم فيها من خلال وكلاء لها، وتكفل الانطلاق إلى الهدف الأكبر أي دير الزور حيث آخر بقايا داعش المحتضرة.
من الرصافة جنوب غرب الرقة إلى دير الزور ستندفع القوات السورية نحو الشرق بموازاة الضفة الجنوبية لنهر الفرات، وستكون للسيطرة على طريق الرقة دير الزور الذي لم تسيطر “قوات سوريا الديمقراطية” عليه بعد أهمية كبيرة، فليس ثمة طريق مباشر من الرصافة نحو دير الزور شرقا، كما أن الإمساك بطريق الرقة دير الزور (انظر 3 على الخريطة) سيمهد إيقاع الاندفاعة لتحرير دير الزور دفعة كبيرة من هذا المحور، في ظل “صحراوية” باقي محاور الهجوم على دير الزور ومن ثم بطء إيقاع التحرك فيها، ووقوعها في قلب البادية السورية بجغرافيتها العسيرة إلى حد جعل التوجه من تدمر إلى دير الزور مهمة شاقة وبطيئة، اُضف إلى صعوبتها وبطئها أهمية الإمساك بقطاع من الحدود مع العراق في مواجهة المشروع الأمريكي للبادية السورية، مما عطّل المسير الشاق إلى دير الزور لفترة لم تكن قصيرة، على أي حال إذا سيطر الجيش السوري على طريق الرقة دير الزور سيكون استكمل السيطرة على مربع من شبكات الطرق الرئيسية في البلاد أي حمص – الرقة – دير الزور – تدمر، الأمر الذي سينعكس في تراجع المساومة الغربية للدولة السورية خاصةً بعد إنجازات تمت لتأمين أوضاع محيط العاصمة دمشق جنوبا.
4- طريق تدمر دير الزور
من تدمر مركز عمليات الوسط السوري يمتد الطريق نحو دير الزور مارًّا ببلدة السخنة (انظر 4 على الخريطة)، محور للهجوم يتقدم ببطء بالغ مع انشغال خطوط الهجوم المندفعة من تدمر – منذ بداية التوجه لدير الزور – بالتوجه شرقا وجنوبا نحو الحدود مع العراق لإجهاض مشروع أمريكي سقط بالفعل، وغربا نحو السلمية وحمص، على أي حال فالسيطرة على هذا الطريق ليست أمرا يمكن التفاوض حوله أو تركه، في سياق الموقع المحوري لتدمر في المنتصف الاعتباري لسوريا، وكون السيطرة عليه بالكامل ستنعكس إيجابا على غربه أي مساحة مربع حمص – الرقة – دير الزور – تدمر، وبذلك يكتسب الجسد السوري تماسكا كبيرا في مواجهة التواجد الأمريكي في الرقة شمالاً وتنحصر إشكالية وجود داعش، ومن ثم وجود الولايات المتحدة العسكري الملازم لوجود داعش، في أقصى الشرق السوري الصحراوي، أي دير الزور مرة أخرى ومحيطها.
5- قطاع حميمة وT2وT3
يعمد الجيش السوري إلى استخدام التفافته التي مكّنته من الوصول إلى الحدود مع العراق، والتي أخّرت إلى حد كبير مسعاه نحو دير الزور، من أجل الوصول إلى دير الزور أيضا بعد أن أنهى مهمته العاجلة وهي الإمساك بالقطاع الحدودي الطولي من الحدود جنوب البوكمال، ومن ثم سيقوم بتعويض ما حدث من تأخر ليس فقط بالاندفاعة التي ذكرناها هنا في النقطة الثالثة أي من الرقة إلى دير الزور، بل أيضا كما استشرفنا منذ أقل من شهر سينطلق في القطاع المذكور (انظر 5 على الخريطة) من حميمة ومن T2“المحطة الثانية” إلى البوكمال ودير الزور.
The post الوسط والشمال السوري.. كل الطرق إلى دير الزور appeared first on البديل.
ليست هناك تعليقات