البديل
إسرائيل تواصل محاولاتها لشرعنة احتلال الجولان
منذ عقود عدة يضع الاحتلال الصهيوني نصب عينيه تشريع احتلاله الجولان السوري كهدف، وعلى الرغم من أن القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة أقرت ببطلان مزاعم الاحتلال بسلطته على الجولان وفرض قوانينه عليه، فإن الكيان الصهيوني لا يزال مصرًا على البحث عن أي ثغرات لتشريع احتلاله لجزء من الأراضي السورية، وجاءت الأزمة السورية لتضيء له بصيص أمل في طريق الوصول إلى أهدافه.
الانتخابات الصهيونية
في إطار سياسة الأمر الواقع التي تعتمدها إسرائيل في جميع مساراتها السياسية، وتمكنت من خلالها من اقتطاع الكثير من المستحقات الفلسطينية لتتحول بفعل هذه السياسة إلى مستحقات صهيونية، وفي إطار مساعيها لتوظيف الأزمة السورية والحصول على اعتراف دولي بأن الجولان السوري المحتل، هو جزء من الكيان الصهيوني، كشفت الحكومة الإسرائيلية قبل أيام عن نيتها إجراء انتخابات للمجالس المحلية في قرى الجولان، وفق القانون الإسرائيلي، وبالتزامن مع الدورة الانتخابية القادمة للسلطات المحلية أواخر أكتوبر من العام الجاري، حيث بعث رئيس حزب “شاس” ووزير الداخلية الإسرائيلي أرييه درعي، رسالة إلى رؤساء المجالس المحلية المعينة في القرى الأربع، مجدل شمس، بقعاثا، مسعدة، وعين قنيا، أبلغهم فيها أن وزارة الداخلية تبحث الخطوات اللازمة لإدارة المجالس المحلية في المرحلة الانتقالية، حتى موعد الانتخابات القادمة.
الخطوة الصهيونية جاءت في محاولة للالتفاف على امتناع أهالي الجولان عن منح الشرعية للمجالس المحلية في قرى الجولان، التي تم إنشاؤها بعد الاحتلال الصهيوني للهضبة في عام 1967، ففي 14 ديسمبر عام 1981 قرر الكنيست فيما يسمى بـ”قانون الجولان” فرض القانون والقضاء والإدارة الإسرائيلية على هضبة الجولان، وتشير الخارطة الملحقة بهذا القرار إلى المنطقة الواقعة بين الحدود الدولية من 1923 وخط الهدنة من 1974 كالمنطقة الخاضعة له، وفسرته السلطات الإسرائيلية التنفيذية كأنه أمر بضم الجولان إلى إسرائيل وبدأت تتعامل مع المنطقة كأنها جزء من محافظة الشمال الإسرائيلية، وهو ما لم يعترف به المجتمع الدولي ورفضه أيضًا مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في قرار برقم 497 من 17 ديسمبر 1981، وأكد حينها أن الاستيلاء على الأراضي بالقوة غير مقبول بموجب ميثاق الأمم المتحدة، واعتبر قرار إسرائيل ملغيًا وباطلًا ومن دون فعالية قانونية على الصعيد الدولي.
سوريا ترفض
أكدت وزارة الخارجية والمغتربين السورية، رفضها القاطع لإجراء إسرائيل انتخابات لما يسمى “المجالس المحلية” عام 2018 بقرى الجولان، مشددة على أنها جزء لا يتجزأ من الأراضي السورية، وقالت الوزارة في رسالتين موجهتين إلى الأمين العام للأمم المتحدة ورئيس مجلس الأمن: لم تكتف إسرائيل بدعمها الفاضح والمعلن للمجموعات الإرهابية المسلحة، خلافًا لكل قرارات الأمم المتحدة المتعلقة بالأزمة في سوريا، بل عمدت مؤخرًا إلى إصدار قرارات جديدة تتعلق بنية تل أبيب إجراء انتخابات لما يسمى المجالس المحلية في قرى الجولان السوري المحتل وفق القانون الإسرائيلي.
وأشارت الوزارة إلى أن التوجهات الإسرائيلية الأخيرة تأتي بهدف سلب الشخصية العربية للمنطقة، مبينة أن الفقرة الخامسة من وثيقة الجولان نصت على “عدم الاعتراف بمجموعة ما تسمى المجالس المحلية”، وأكدت الوزارة أن إسرائيل التي رفضت الانصياع للشرعية الدولية طيلة السنوات السابقة، كررت في قرارها الجديد تمردها وعدم احترامها لسيادة سوريا على هضبة الجولان، وأضافت الوزارة أن القرارات الإسرائيلية الجديدة تمثل انتهاكًا صارخًا آخر لميثاق الأمم المتحدة وللقانون الإنساني الدولي ولاتفاقيات جنيف المتعلقة بحماية المدنيين، وختمت وزارة الخارجية السورية رسالتيها بالقول: إن دمشق إذ ترفض القرار الإسرائيلي الجديد رفضًا قاطعًا وجملة وتفصيلًا، فإنها تعيد التأكيد على أن الجولان جزء لا يتجزأ من الأراضي السورية وأنه سيعود إلى الوطن الأم عاجلًا أو آجلًا.
المنطقة العازلة
بالتزامن مع قرار الانتخابات المحلية في الجولان، كشفت صحيفة التايمز الأمريكية عن مخطط لإقامة منطقة عازلة في جنوب سوريا بحيث لا يسمح لحزب الله بالعمل هناك، حيث قالت الصحيفة نقلًا عن مصادر في الشرق الأوسط إن إسرائيل تضغط على أمريكا وروسيا من أجل ضمان إقامة منطقة عازلة في جنوب سوريا، مضيفة: الإسرائيليون حضروا على هامش المحادثات بين الأمريكيين والروس حول مستقبل جنوب سوريا التي جرت في العاصمة الأردنية عمّان، وأكدت مصادر عسكرية للصحيفة أن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو أثار مسألة المنطقة العازلة في محادثات مع الرئيسين الأمريكي والروسي، كلًا على حدة.
وتمتد المنطقة التي تسعى إسرائيل إليها على بعد أكثر من 30 ميلًا إلى الشرق من الجولان المحتل متجاوزة مدينة درعا، وأشارت الصحيفة إلى أن الاقتراح أثار مخاوف من العودة إلى حقبة “جيش لبنان الجنوبي”، حين أقامت إسرائيل منطقة آمنة على حدودها الشمالية مجندة ميليشيات محلية للعمل لمصلحتها، الأمر الذي كرس الوجود الإسرائيلي في لبنان لسنوات، وأضافت التايمز أن المخاوف الإسرائيلية تنبع من إمكانية انسحاب الأمريكيين تاركين القوات المدعومة من إيران مثل حزب الله تعزز مواقعها في جنوب البلاد، بما في ذلك على طول الحدود مع الجولان.
المعارضة السورية
منذ انطلاق الأزمة السورية في عام 2011 بحثت إسرائيل عن طريقة لشرعنة احتلالها للجولان، حيث أكدت العديد من التقارير أن الحكومة الإسرائيلية سبق أن أمدت مجموعة من المقاتلين تسمى “لواء فرسان الجولان” بالأسلحة، في محاولة لكسب عقول وقلوب السوريين من خلال إرسال مساعدات إنسانية لهم والسماح للجرحى بتلقي العلاج في إسرائيل، وأشارت العديد من التقارير إلى أن عدد الذين تلقوا العلاج في المستشفيات الإسرائيلية خلال الأزمة السورية يقدر بالآلاف، إلى جانب محاولات كسب ود الجماعات المسلحة هناك.
وجاء القصف الإسرائيلي على منطقة القنيطرة والجانب السوري من الجولان بين الحين والآخر ليحاول شرعنة احتلاله لها، حيث قصف سلاح الطيران الحربي الإسرائيلي مرارًا منطقة الجولان والقنيطرة بحجة استهداف مناطق عسكرية لقوات الجيش السوري أو استهداف قوافل نقل الأسلحة إلى حزب الله، لكن هذا القصف كان دائمًا دعمًا للجماعات المسلحة التي تعمل لحساب الاحتلال هناك، ناهيك عن تزويد المسلحين في منطقة الجولان بالمال بالإضافة إلى الغذاء والوقود والدعم الاستخباري، كما سبق أن اعترفت إسرائيل عام 2013 بمعالجة حوالي 3 آلاف سوري جريح معظمهم من المقاتلين في مستشفياتها.
المعارضة السورية أيضًا لم تتوان في إظهار استعدادها لتسليم الجولان إلى الاحتلال السوري في حال إسقاط نظام الرئيس بشار الأسد، حيث عرض عضو الهيئة السياسية لما يسمى ائتلاف المعارضة السورية كمال اللبواني، في مارس عام 2014، أن تتدخل إسرائيل لدعم ما يسمى الجيش الحر مقابل التنازل عن الجولان السوري للصهاينة، وقال اللبواني، حينها في حديث لصحيفة العرب اللندنية: لماذا لا نبيع قضية الجولان في التفاوض أفضل من أن نخسرها ونخسر معها سوريا.
وفي مطلع يناير الماضي، قدمت ما تعرف بـ”جبهة الإنقاذ الوطني في سوريا” وثيقة تتضمّن خارطة طريق لعقد اتفاق سلام بين سوريا وإسرائيل، موضحة أن سوريا الجديدة لن تكون دولة معادية لإسرائيل ولا حتى لأي دولة إقليمية أو عربية أو دولية، ولن تكون وبأية حال من الأحوال مقرًا ولا معبرًا ولا مركز تدريب أو دعم ولا محطة لعبور السلاح أو التطرف والإرهاب، كما أنها لن تقدم تسهيلات لأية جماعات أو أعمال عسكرية أو تخريبية تستهدف أمن وأمان إسرائيل.
في 17 أبريل من العام الماضي، عقدت حكومة العدو برئاسة نتنياهو، اجتماعها التاريخي الأول على أرض الجولان، في رسالة موجهة إلى المجتمع الدولي والدولة السورية وأهالي الجولان المحتل، وفي محاولة لنزع اعتراف بأن الجولان أصبح أرضًا إسرائيلية، لكن لم تلبث إسرائيل أن لاقت اعتراضات وانتقادات من الدول العربية والأوروبية والمنظمات الدولية، وكانت ألمانيا أولى هذه الدول، إذ أكد الناطق باسم وزارة الخارجية الألمانية أن ضم إسرائيل الجولان السوري المحتل يتناقض مع القانون الدولي ومع ميثاق الأمم المتحدة، فيما أكّد الناطق باسم وزارة الخارجية الأمريكية أن إدارة بلادها لا تعترف بأن الجولان جزء من إسرائيل، وأنّ سياسة الولايات المتحدة الأمريكية بشأن الجولان ثابتة تحت مختلف الإدارات، ديمقراطيةً كانت أم جمهورية.
وفي الوقت نفسه أكد الأمين العام للأمم المتحدة حينها، بان كي مون، أن ضم إسرائيل الجولان السوري المحتل، واستمرار احتلالها له، يتناقضان مع القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، فيما استنكر كلٌّ من سوريا ولبنان عقد حكومة الاحتلال اجتماعها في الجولان السوري المحتل.
The post إسرائيل تواصل محاولاتها لشرعنة احتلال الجولان appeared first on البديل.
ليست هناك تعليقات