الاثنين، 31 يوليو 2017

إنفوجراف| الذهب الأبيض المصري يبحث عن هيبته بعد تدميره زراعيًّا وصناعيًّا

البديل
إنفوجراف| الذهب الأبيض المصري يبحث عن هيبته بعد تدميره زراعيًّا وصناعيًّا

كتب : جمال عبد المجيد ووسام حسين وأحمد الأنصاري ومحمد ربيع وسيد عبد اللاه وبسمات السعيد

عشرات السنين مرت، تحول فيها القطن المصري طويل التيلة كما يطلق عليه تارة، و”الذهب الأبيض” تارة أخرى، إلى محصول يصارع الموت، ويبحث عن استعادة أمجاده، بعد أن كان المزارعون يتصارعون على زراعته في خمسينيات وستينيات القرن الماضي لمكاسبه الهائلة، وقيمته المضافة، واستهلاكه المحلي بكافة مصانع الغزل والنسيج، بل وتصديره عالميًّا واحتلاله المرتبة الأولى بين نظائره من الأقطان الأخرى.

مع تعاقب الحكومات والسياسات واتخاذها خطوات غير مدروسة، وصل محصول القطن المصري حاليًّا إلى أسوأ حالاته، فبعد أن كانت مصر تقوم بزراعة ما يقرب من مليوني فدان قطن منذ 55 عامًا تقريبًا، أصبحت المساحة المنزرعة حاليًّا لا تتعدى المئتين  وعشرين ألف فدان، ووصلت إلى أدنى معدلاتها في آخر 5 سنوات بمساحات تترواح ما بين 130 و170 ألف فدان، في حين أن المستهدف زراعته لعام 2017 هو 260 ألف فدان، وبحسب إحصائيات وزارة الزراعة ما تحقق منه حتى اليوم إنجاز زراعة 216 ألف فدان بـ 14 محافظة.

ويرى المهندس حسام رضا، الخبير الزراعي، أن البداية الحقيقية لتخريب زراعة القطن المصرية جاءت على يد يوسف والي وزير الزراعة الأسبق ورضوخه للسياسات الأمريكية، التي كانت تهدف لقتل الزراعة والمحصول المصري، وتحسين سلالاتها من الأقطان، حتى تصبح الأولى عالميًّا على حساب نظيرها المصري، بالإضافة إلى قيام “والي” بما يسمى بمشروع إصلاح السياسات وإصراره على بيع كل المحالج، ومنع تحديث مصانع الغزل والنسيج، حتى تدهورت الزراعات والصناعات القائمة على الأقطان، بعد أن كانت سويسرا تستورد منا كافة أنواع الأقمشة، وكذا اليابان التي طالبت بشراء كافة الأقطان والأقمشة منا.

وأضاف رضا لـ “البديل” أن حكومة “والي” رفضت تطوير الأصناف المصرية والاعتناء بها، حتى تدهورت حالة الأصناف والإنتاجيات، لافتًا إلى أن الكثير من دول العالم حاولت سرقة البذور المصرية وزراعتها لديها، إلا أنها لم تحصل على نفس الجودة المصرية، فمنظومة الطقس والتربة بمصر تجعل القطن المصري هو الأفضل عالميًّا.

وتساءل الخبير الزراعي: كيف نهمل كنزًا كبيرًا كالقطن المصري؟ فهو زراعة كثيفة العمالة، ويزرع في أراضٍ متوسطة الجودة، واستهلاك متوسط المياه، ويعطي محصولاً عالي الجودة، بالإضافة إلى قيمته المضافة واستخراج الزيوت منه، إذ يعطي كل قنطار قطن ما يقرب من 20 لتر زيت خام، وكل فدان ما يقرب من 160 كيلو زيت، و460 كيلو جرام من الكسب، الذي يستخدم كعلف، وما تدخل فيه تلك الأقطان والزيوت من صناعات هامة فيما بعد، مطالبًا الدولة بالاستماع لمطالب الفلاح وتحقيقها، والعودة لتشغيل مصانع الغزل والنسيج والمحالج المتوقفة، وتصحيح ما ارتكبته الحكومات السابقة من جرائم – بحسب ذكره – في حق زراعة القطن ومصانعه.

في نفس السياق قال عادل الشريف، نقيب المزارعين بمحافظة سوهاج، إن السبب الرئيسي لعزوف الفلاح المصري عن زراعة محصول القطن يرجع في المقام الأول إلى تدني وانخفاض سعر شراء قنطار القطن من المزارع، مقارنة بما يتم إنفاقه من مصاريف علي المحصول، بداية من زراعته وتسميده وريه وانتهاءً بجمعه في الأجولة وتوريده وتسليمه لمجمعات القطن المخصصة من قبل الجمعيات الزراعية، وعدم اتفاق الحكومة مسبقًا على الأسعار بشكل جاد.

وأضاف الشريف أن سوء تقاوي القطن المتواجدة بالجمعيات الزراعية وعدم جودتها وإصابتها ببعض الأمراض دفعت العديد من المزارعين على مستوى الجمهورية للتخلي عن زراعة القطن، سواء طويل التيلة أو قصير التيلة، مشيرًا إلى أن تهميش مهندسي ومشرفي الجمعيات الزراعية بالمحافظات للحقول والمساحات المزروعة بالقطن وعدم مباشرتهم للحقول من أهم الأسباب التي جعلت الفلاح يبتعد عن زراعة القطن، وأنه يجب أن يكون سعر قنطار القطن مرضيًا للفلاحين، حتى يكون دافعًا لهم على التوسع في زراعة المحصول الهام، خاصة بالنسبة للصناعة المصرية.

وطالب المهندس جمعه طوغان، خبير التنمية الزراعية، بأن تقوم الدولة بتجديد وتطوير السلالات وتربية سلالة جديدة سنويًّا وإكثارها لإنتاج تقاوي الأساس التي تكثر فيما بعد لتوفير تقاوٍ جيدة من سلالات متجددة للزراع، وتحديد أوفق المناطق لزراعة الأصناف التي تحقق أعلى إنتاجية وأفضل صفات غزلية، وتطوير المعاملات الزراعية بما يحقق الاستفادة المثلى من القدرة الوراثية للصنف وظروف الإنتاج.

وشدد طوغان على ضرورة إجراء دراسة للأمراض النباتية التي تصيب نبات القطن وتحديد أنسب الطرق لمكافحتها، وتحسين طرق تقييم الخواص الغزلية للأقطان التجارية، وتوفير بيانات كاملة عنها للصناعة المحلية وشركات التصدير.

التخبط في زراعة محصول القطن وتراجعه الكبير أصاب عشرات المصانع المصرية بأضرار كثيرة، كبدتها خسائر بمليارات الجنيهات على مدار عدة سنوات ماضية، ففي مدينة المحلة الكبرىن قلعة صناعة الغزل والنسيج  بالشرق الأوسط، يعاني العمال بشركة مصر والنصر  وأصحاب الشركات الخاصة من مأساة حقيقية، بسبب استمرار مسلسل تدهور وضع مصانع الغزل والنسيج الذي أدى إلى إغلاق جزئي لأكثر من 700 مصنع وإغلاق كلي لبعضها وسط تجاهل المسؤولين  للمأساة.

وقال عزت القليني، صاحب أحد مصانع المنسوجات، إن ارتفاع أسعار المواد الخام وحالة الركود التي يشهدها السوق المحلي وصعوبة تسويق المنتجات محليًّا وخارجيًّا وقفت حائلاً أمامهم في تحقيق ربح مناسب، يكفل صرف أجور العمال الشهرية، وتسبب ذلك في تدهور الصناعة، موضحًا أن المادة الخام من قطن وغزول تمثل 70% من الصناعة وغير متوافرة، وهذا سيقودنا للاعتماد على الاستيراد، مطالبًا بدعم أصحاب المصانع الذين يواجهون مشاكل عديدة، دفعت البعض منهم لإغلاق مصانعهم.

لم يختلف الحال كثيرًا في محافظة الإسكندرية، التي توقف بها عدد كبير من القلاع الصناعية، وتم تشريد آلاف العمال، بعد منع القطن المصري من دخوله تلك الشركات وإبدال قطن رديء الجودة مستورد مكانه.

وكانت أولى تلك الشركات هي الشركة الشرقية للكتان والقطن بالرأس السوداء، التي أنشئت في عهد الملك فاروق عام 1946، وكانت تضم 13 ألف عامل، وتضم ثلاثة مصانع أحدها لغزل القطن ومساحته 25 فدانًا، ويتم بداخله غزل القطن وتحويله إلى خيوط؛ لتشغيل مصنع النسيج بالشركة، والمصنع الثاني للملابس الجاهزة، والثالث لغزل الكتان، وهو مصنع متكامل بداية من غزل المادة الخام الكتان وتحويله إلى خيوط كتانية، وانتهاء بتصنيعه إلى منتج كتاني.

كما توقفت تمامًا عن العمل الشركة العربية للغزل والنسيج “بلوفارا “، بعد عجزها عن صرف مرتبات ما تبقى من العاملين بها، وبيعت أجزاء من أصولها. أنشئت الشركة في 15 أغسطس 1968، لتتخصص في صناعة وتسويق وتجارة غزل ونسيج القطن والحرير والصوف والكتان والألياف الصناعية، والقيام بأعمال الوكالة التجارية داخل مصر والتصدير والاستيراد، وكانت تحقق مكاسب كبيرة جدًّا، وكذلك الحال بشركة السيوف للغزل والنسيج، التي تأسست عام 1938، لإنتاج وتسويق غزل القطن والمنسوجات القطنية، وخسائرها في آخر ميزانية بلغت  43 مليونًا و652 ألف جنيه، وأيضًا شركة النصر للأصواف والمنسوجات (ستيا)، التي حققت خسائر في آخر ميزانية 74 مليونًا و770 ألف جنيه، بسبب عدم توريد القطن لها.

وفي صناعة الغزل والنسيج بالسويس وقعت أزمة كبيرة بسبب عدم توافر المواد الخام اللازمة للإنتاج المتمثلة في الغزل؛ لارتباطه بأسعار الدولار، حيث يتم استيراده من الخارج بعد تدهور وانهيار زراعة القطن في مصر، وتأثرت هذه المصانع حتى توقفت عن العمل.

حيث نجد شركة “مصر إيران” التابعة للقطاع العام توقفت أغلب خطوط الإنتاج عن العمل بسبب غياب المواد الخام، وبقي خط واحد فقط يعتمد عليه آلاف العمال، ومهدد بالتوقف، حيث إنه يعتمد على مخزون المخازن الداخلية للشركة، ويأتي 97% منه عن طريق الاستيراد بعد فشل وزارة قطاع الأعمال العام في توفير مستلزمات الإنتاج من السوق المحلي أو السوق الأجنبي؛ لتدهور زراعة القطن في البلاد وتحرير سعر الصرف.

وتأتي شركة “تراست” لصناعة الغزل والنسيج كأكبر شركات القطاع الخاص بالسويس، وقد بدأت في تصفية عمالها وتقليل عمالتها تدريجيًّا منذ قيام ثورة يناير حتى الآن.

الحكومة مؤخرًا بدأت في الإعلان عن خطة لتطوير مصانع الغزل والنسيج، بعد توسيع مساحة الرقعة المزروعة بالأقطان، حيث أعلن الدكتور أحمد مصطفى، رئيس الشركة القابضة للنسيج، عن موافقة مجلس الوزراء على بدء تنفيذ المرحلة الأولى من مراحل تطوير صناعة الغزل والنسيج وفقًا للدراسة التي وضعها مكتب وارنر الأمريكي، مشيرًا إلى أن هذه المرحلة ستطبق على 9 شركات فقط، وهي شركات الحلج وكبس الأقطان، وأن هذه المرحلة ستكلف خزانة مليار جنيه، وسيتم تمويلها من موازنة الدولة 2017/2018.

وأوضح مصطفى أن تعويم الجنيه أثر بالإيجاب والسلب على صناعة النسيج بمصر، حيث ضاعف من معدلات التصدير مؤخرًا، إلا أنه ساهم في زيادة أسعار الأقطان المستوردة، مشيرًا إلى أنه لن يتم حتى الآن طرح شركات تابعة للغزل والنسيج في البورصة، وأن الحكومة تعمل على طرح الشركات التي تحقق ربحًا.

يذكر أن وزير الزراعة الحالي الدكتور عبد المنعم البنا أكد أن سياسة الانفتاح الاقتصادي خلال السنوات الماضية هي ما تسبب في تدهور مكانة القطن المصري، لدرجة أن هذه السياسة دفعت الكثير لترديد مقولة “شراء العبد ولا تربيته”، فى إشارة إلى أن الاستيراد أقل تكلفة من الاعتماد على الإنتاج المحلي، مما أدى إلى عزوف الفلاحين عن زراعة المحصول، وحدثت مشكلة تلوث بذرة القطن بسبب خلط الأصناف بمختلف المحافظات.

وأضاف وزير الزراعة أن الحكومة لجأت إلى تطبيق منظومة لإصلاح ملف القطن، لاستعادة عافيته، موضحًا أنه صدر قرار جمهوري، بموجبه تكون وزارة الزراعة هي المسؤولة عن استلام أقطان الإكثار التي يتم استخراج تقاوى القطن عن المساحات المنزرعة بالمحصول، حتى ينعكس على توفير تقاوٍ معتمدة، تحقق زيادة الإنتاجية من القطن، بالإضافة إلى موافقة الحكومة على تحديث 6 محالج للقطن.

The post إنفوجراف| الذهب الأبيض المصري يبحث عن هيبته بعد تدميره زراعيًّا وصناعيًّا appeared first on البديل.


ليست هناك تعليقات

جميع الحقوق محفوظة لــ مدونة عربي التعليمية 2015 ©