الخميس، 24 أغسطس 2017

فتنة الدستور

البديل
فتنة الدستور

تزايد خلال الفترة الأخيرة الحديث عن رغبة البعض فى إجراء تعديلات على دستور 2014 الذى تم إقراره بعد استفتاء شعبى وحصل الدستور على شبه إجماع من المصرين فى واحدة من لحظات التوافق المجتمعى القليلة فى عمر الممارسة الديمقراطية.

وكان الحديث عن إجراء تعديلات دستورية قد بدا همسا وفى أروقه مغلقة بشكل حذر جدا، ثم بدت نبرات المطالبين تعلو شيئا فشيئا حتى باتت ضجيجا، ولعل الدستور الذى حصل على موافقة 98%من الذين أدلوا بأصواتهم والذين بلغ عددهم 20 مليون مواطن لم ينل رضا فئات مؤثرة ومهمة فى صنع القرار، وذلك على عدد كبير من مواد الدستور، خاصة ما جاء فى باب الحريات العامة وباب الحقوق الاقتصادية والاجتماعية إضافه إلى أحكام المرحلة الانتقالية، ومن ابرز تلك الفئات التى تحفظت على مواد اعتبرتها غير مناسبة كان رجال الأعمال خاصة اؤلئك الذين كونوا ثرواتهم خلال عقود حكم مبارك.
وبالطبع عبرت عن ذلك القلق أحزابهم التى نشات عقب ثورة يناير، والتى كان فى مقدمتها حزب المصريين الأحرار إضافه إلى حزب الوفد.

وقد ركز رجال الأعمال على إبداء تحفظهم على مواد مثل فرض الضريبة التصاعدية، وعبروا صراحة عن رفضهم لها واستحالة تطبيقها وكذلك فرض حد أقصى للأجور، ولعل الخلاف الأبرز كان فى مواد الموازنة العامة للدولة حيث شدد الدستور على زيادة نسبه كل من التعليم والصحة والبحث العلمى فى الموازنة فى الوقت الذى تتراجع فيه الدوله بشكل كبير عن دورها فى تلك القطاعات، بالإضافه الى مواد تنظم حق الإضراب والاعتصام السلمى للعمال فى المنشآت العامة والخاصة.

ولم يكن هذا الدستور الذى صاغته لجنة “الخمسين” والتى تم تشكيلها بطريقة مثلت فيها كافه المدارس السياسية والفكرية وكل الفئات وكافه تنويعات المجتمع إلى حد كبير جدا.

لم يكن هناك رضا كامل عنه إلا أن مبررات الرفض لم تكن ليتقبلها المجتمع على الإطلاق فى لحظة صياغة الدستور. ورويدا رويدا انشغل الرافضون بالبحث عن مدخل لفتح تلك النافذه المميتة وتمخض وعيهم عن تحريك الأمر من خلال الحديث عن مدة الرئيس والرغبة فى تعديلها، ورغم عدم وضوح موقف من مؤسسة الرئاسه أو المقربين منها إلا أن هذا المدخل بدا عبقريا حيث انشغلت النخبة بالحديث عن مدة الرئاسة وتعديلها، فبين رافض لمدها معتبرا أن ذلك سعيا لترسيخ نظام غير ديمقراطى وتعديل يضر بنضالات الشعب المصرى خلال ثورتى 25 يناير – 30 يونيو، وبين آخر مؤيد، معتبرا أن عدم استقرار البلاد والحرب ضد الإرهاب تستلزم استقرارا فى راس الحكم مما لا يمكن ان يتحقق مع مدة “4سنوات”.

وصار الجميع فى ممر ضيق كأنه مرسوم لهم من قبل، وتناسى البعض أن الغرض الذى يعلنه أنصار التعديل ليس هو ما يرمون إليه، لكنها فقط رافعة تساعدهم على تمرير الفكرة من حيث المبدأ، ويأتى كل شئ فى حينه،
فلن يتوقف الأمر عند إجراء تعديل على مدة الرئاسة، بل انه فى تلك الحالة سوف ينسحب التعديل إلى صلاحيات الرئيس وصلاحيات البرلمان، وذلك الارتباك المفتعل فيما بينهما خاصة فى تشكيل الحكومة وتكليفها وعزلها، وسوف تنسحب التعديلات إلى الغاء الضريبة التصاعدية وإلزام الحكومة بزيادة حصة التعليم والصحة والبحث العلمي، كما ينسحب إلى مواد تتعلق بالحريات العامة خاصة العماليه منها.

نحن إذن أمام فتنة يرغب من أشعلها فى تفريغ دستور 2014 من مضمونه، ولا يدرك حجم الردة التى يقودنا إليها مستغلا لحظة جزر شديدة تعيشها قوى المجتمع الحية، ولحظة إحباط وعدم مبالاة يعشيها المواطن نتيجة وضع مأزوم للغاية.

The post فتنة الدستور appeared first on البديل.


ليست هناك تعليقات

جميع الحقوق محفوظة لــ مدونة عربي التعليمية 2015 ©