البديل
بعد جمع طفلة المنصورة لزوجين عرفيًّا.. الانهيار الأخلاقي للمجتمع إلى أين؟
أمل جودة: بدلاً من انشغال البرلمان بخفض سن الزواج عليهم بحث حل لهذه الكارثة
هالة عبد القادر: متى تتوقف المجالس القومية عن الشجب والإدانة وتصنع حلولاً؟
نجوى عبد الحميد: انعكاس لانهيار سلم القيم الاجتماعية منذ منتصف السبعينيات
حالة من الصدمة والغضب والخوف لطمت المجتمع أمس، بعد تداول خبر جمع طفلة المنصورة، 13 عامًا، بين زوجين بأوراق عرفية، وذلك بعلم والدها، حيث أدانتها نيابة المنصورة بإشراف المستشار أيمن عبد الهادي، المحامي العام لنيابات جنوب الدقهلية، وقررت حبس الطفلة.
أدانت عدد من منظمات حقوق الطفل الواقعة، وطالبت بالإفراج عن الطفلة بصفتها ضحية مجنيًّا عليها، والقبض على الأب الجاني.
فيما أدانت الدكتورة مايسة شوقي نائب وزير الصحة والسكان والقائم بأعمال المجلسين القومي للطفولة والأمومة والقومي للسكان، في بيان صحفي الواقعة، موضحة أن خط نجدة الطفل تلقى بلاغًا بالواقعة، وسيتم التعامل من خلال النشر الإعلامي عنها على أنها بلاغ رسمي ضد المتورطين في المتاجرة بهذه الطفلة؛ لأنها ضحية اتجار بالبشر.
تقول أمل جودة المحامية وعضو الائتلاف المصري لحقوق الطفل في تصريحات خاصة لـ”البديل” إن الجريمة تعد استمرارًا لمسلسل بيع البنات للأثرياء العرب، والذي يتم في انتهاك صريح لكل الاتفاقيات والقوانين الخاصة بحماية الطفل، خاصة أن الفتاة في هذه الواقعة لا يزيد عمرها على 13 عامًا، ومن ثم فهي مجني عليها، والأب ارتكب جريمتين: أولها الاتجار بالبشر، وهذا مجرم وفقًا للقانون 64 لسنة 2010، والثاني الزواج المبكر لطفلة لم تصل للسن القانونية التي حددها قانون الطفل بـ 18 عامًا، والذي أقره قانون الأحوال المدنية.
وطالبت جودة النيابة بالإفراج عن الطفلة؛ لأنها ضحية عمل إجرامي من الأسرة، ومعاقبة الأب والتحقيق معه بتهمة الاتجار بالبشر، بل والجمع بين زوجين، بالإضافة إلى سرعة إدخال الطفلة في إحدى دور الرعاية الآمنة الخاصة بمناهضة العنف ضد النساء التابعة لوزارة التضامن الاجتماعي؛ من أجل دعمها النفسي من آثار هذه التجربة.
وأشارت جودة إلى أنها تطالب أعضاء مجلس النواب المشغولين بخفض سن الزواج في الفترة الأخيرة بتبنى مشروعات قوانين تحد من هذه الجرائم الاجتماعية، وتغلظ العقوبة على الأهالي الذين يبيعون بناتهم، ويتاجرون بهن.
جدير بالذكر أنه انتشرت خلال الأيام الماضية حالة من الجدل حول اقتراح النائب أحمد سميح بتقديم مشروع قانون لخفض سن الزواج للفتيات من 18 إلى 16 سنة.
وتصف هالة عبد القادر المديرة التنفيذية للمؤسسة المصرية لتنمية الأسرة في تصريحات خاصة لـ” البديل” الواقعة بأنها كارثة مخيفة، بل فجر مجتمعي تجاوز كل حدود المعقول ،حيث تضم الواقعة عدة جرائم من الاتجار للبشر: الزواج المبكر، الزنا، العنف الجسدي والنفسي للطفلة.
وأضافت أنها لا تبرر الجريمة، ولكن المجتمع يعانى تحت وطأة الظروف الاقتصادية والفقر والجهل، لدرجة تدفع الأسر الآن للمتاجرة ببناتهن من أجل المال، حيث تتحول النساء لمصدر رزق للأسرة، نظرًا لغياب تطبيق القوانين الرادعة.
وأشارت إلى أن هناك أطرافًا كثيرة متورطة في هذه الجريمة، تبدأ من الأب المسؤول عن هذه الزيجات غير القانونية والشرعية، والمأذونين الذين يصوغون هذه الزيجات المبكرة للفتيات تحت السن القانونية 18 سنة بصبغة دينية، من خلال احتفاظهم بدفترين أحدهما للتوثيق الرسمي والآخر للتوثيق غير القانوني والشكلي لحين إتمام البنت السن القانونية، بالإضافة إلى المحامين الذين يشرفون على مثل هذه العقود من الزواج.
وانتقدت عبد القادر دور المجالس القومية المتخصصة الغائب من القومي للطفولة والأمومة، والقومي للمرأة، معربة عن أن دورها لا ينبغي أن يتوقف على بيانات الشجب والإدانة، بل يجب البحث عن آليات لتفعيل قانون مناهضة الاتجار بالبشر، وقانون حماية الطفل، فأدوارها وقائية أيضًا من حيث التوعية ونشر ثقافة مغايرة للموروثات الخاطئة، من خلال فروعها بكل القرى والنجوع بالمحافظات.
وأكدت أن هذه الجرائم تحتاج لشراكة جميع مؤسسات الدولة وعلى رأسها المجتمع المدني، الذي يتم إقصاؤه عن المجال العام، رغم دوره الناجح في قضايا سابقة كالختان وغيره، ومن ثم فإن جريمة طفلة المنصورة تدق ناقوس الخطر للدولة بأهمية تعاونها مع المجتمع المدني.
وترى الدكتورة نجوى عبد الحميد أستاذ علم الاجتماع بكلية الآداب بجامعة حلوان في تصريحات خاصة لـ” البديل” أن انتشار هذا النوع من الجرائم هو انعكاس طبيعي لانهيار سلم القيم والأخلاق بالمجتمع المصري، نتيجة لانتشار الفقر والأمية والجهل، وهي مرحلة من التدهور، بدأت مع منتصف السبعينيات، عندما تم تبديل كل القيم الأصيلة بالقيم المادية، وأصبح تقييم الفرد بما يمتلكه من مال وليس تعليمه أو عائلته أو سمعته الطيبة.
وأوضحت أن كل شيء أصبح يباع ويشترى في المجتمع بحسابات السوق والربح والخسارة، والبشر أيضًا أصبحوا سلعة في هذه السوق، لنجد واقعة زواج طفلة من رجلين عرفيًّا، وهو بيع مباشر من عائلتها لجسدها لكل من يدفع أكثر.
وأكدت عبد الحميد أن المجتمع المصري يعانى من فقدان المعيارية، فاختفت الخطوط الفاصلة بين الصواب والخطأ، وتداخل كلاهما معًا، وأصبح هناك مدافعون عن الخطأ كما لو كان هو الشائع والحقيقي، ومن ثم تجاوز المجتمع الجرائم التقليدية مثل القتل والسرقة إلى بيع الأعراض والأطفال والزواج العرفي والاتجار بالبشر والزواج المبكر.
وأشارت أستاذ علم الاجتماع إلى أن حالة الانهيار الأخلاقي للمجتمع تترتب عليها كل المشكلات الاجتماعية من ارتفاع معدلات الطلاق، وانتشار مجهولي النسب، والتفكك الأسري، واغتصاب الأطفال والفتيات وغيرها.
وبسؤالها عن الحلول ليعود المجتمع لصوابه، قالت عبد الحميد “لا أريد تكرار أحاديث الفرقعة الإعلامية من أهمية نشر الوعي عبر المسجد والكنسية والإعلام، ولكن لن ينصلح حال هذه الأمة قبل البدء في تربية وتعليم النشء الجديد منذ نعومة أظافره على قيم التسامح والمحبة والحق والعدل، وبدون ذلك نحن أشبه بمن يحرث في البحر”.
The post بعد جمع طفلة المنصورة لزوجين عرفيًّا.. الانهيار الأخلاقي للمجتمع إلى أين؟ appeared first on البديل.
ليست هناك تعليقات