البديل
من ميدان السبعين الشعب اليمني يخاطب العالم: لسنا للبيع وليس منا من يبيع
الإنسان اليمني روحه جميلة كمدينة صنعاء لكن إرادته صلبة كجبل عطان …
ماذا يعني أن تتنادي تلك الحشود الهائلة والمدهشة إلى صنعاء من كل المدن والقرى اليمنية؟
هل احتشدوا بدافع المرح ورغبة المشاركة في برنامج ترفهي صاخب, لأن لديهم متسع من رفاهية العيش؟
أليس مدهشا أن هذه الحشود الضخمة جاءت بعد أكثر من تسعمائة يوم من الحرب والحصار والتجويع؟
ألم تكن عواصم العدوان في الرياض وابوظبي وواشنطن تتهيأ لاستقبال خبر استسلام صنعاء؟
هل ما يحدث في اليمن معركة ترفيهية موسمية تشبه معارك الطماطم الترفيهية التي تقام سنويا في أسبانيا، ويخرج فيها الالآف لميدان عام ويتبادلون التراشق بالطماطم ثم ينفضون بعد ساعة من الاستمتاع؟.
أم أن ما يحدث في اليمن واحدة من أكثر الحروب العدوانية الانتقامية خسة ونذالة ووحشية، تمارس عملية تخريب واسعة تستهدف طمس كل مظاهر الحياة في اليمن؟!.
أليس ما يحدث في اليمن أبشع وأشنع عملية حصار حدثت عبر التاريخ من حصار قرطاج الذي قام به الرومان، وحصار الشعب الذي فرضته قريش على محمد وأهل بيته وأتباعه من المؤمنين، إلى حصار ستالينجراد الذي فرضته الجيوش النازية بقيادة هتلر لإجبار أهلها على الاستسلام.
إذا ما الذي يدفع هذه الحشود الجماهيرية التي تعاني الفاقة والحاجة وويلات حرب بربرية لا تبقى ولا تذر تكاد تنهي عامها الثالث، إلى الصمود؟
أعجبتني عبارة لكاتب عربي قال فيها أن الموارد المحدودة لليمن لحد “الفاقة” تجعل البعض يعتقد أنه قابل للاستئجار غير أنه شعب فخور بنفسه إلى حد “العظمة”، لذلك هو ليس للبيع.
الملك النازي في الرياض وتحالف النازيين الإقليميين والدوليين مارس ولا زال يمارس ما لم يخطر على بال الشيطان نفسه من أساليب الحصار والتجويع، وفاق كل المجرمين في العالم من القائد الروماني سكيبو الذي حاصر قرطاج إلى هتلر وجيوشه النازية، كل ذلك لكي يكسر إرادة الشعب اليمني ويجبرهم على الاستسلام.
بعد ثلاث سنوات من الحرب والحصار ظن تحالف العدوان أن الشعب اليمني على وشك رفع راية الاستسلام، وفي حين كانت عواصم العدوان الرياض وابوظبي وواشنطن تتهيأ لسماع خبر الاستسلام، جاءها الرد مزلزلا من ساحة السبعين:
أيها العالم اشبعوا من دمائنا ومن لحومنا “فلسنا للبيع”.
“إذا كان الخيار هو: ‘الاستسلام أو الموت جوعاً’ فإننا نفضل الموت محاربين على الاستسلام.
هكذا هي عادة الشعوب الأصيلة.
يقال أن القرطاجيين بعد زحف الجيوش الرومانية عليهم حولوا المحال والمصانع والمعابد إلى مصانع لإنتاج الأسلحة ولوازم الحرب، وآثروا أن يموتوا محاربين على أن يستسلموا. وطول الثلاث السنوات التالية ظل الرومان يقذفون موجات الهجوم المستمر على أسوار قرطاجة ولكنها ردت الهجوم بكفاءة غير متوقعة وتراجع الرومان غير مصدقين أن مدينة توقع لهم على وثيقة إعدامها، تقاوم الإعدام نفسه بكل هذا البسالة، ويقال أن زوجة قائد قرطاجة رمت بنفسها في النار مع طفليها لكي لا تحوج زوجها لاستعطاف الرومان المتغطرسين.
غرور السعودية ودول العدوان جعلها تستهين بقوة الشعب اليمني، وتعتقد أن الخزنة الخليجية المترعة بالمال ستغريه للقبول ببيع نفسه، وأن ظروفه السيئة ستحوجهم للإذعان للإرادة الملكية السامية.
ربما كان عليهم الاستماع لنصيحة الحجاج فرغم جبروته وبطشه كان يحذر المساس بكرامة اليمنيين، ومن أقواله المحكية في اليمنيين “لايغرنك صبرهم ولا تستضعف قوتهم فهم إن قاموا لنصرة رجل ما تركوه إلا والتاج على رأسه، وإن قاموا على رجل ما تركوه إلا وقد قطعوا رأسه”…
الإنسان اليمني ليس متوحشا ولا عنيفا.
الإنسان اليمني روحه جميلة كمدينة صنعاء، لكن ارادته صلبة كجبل عطان.
الإنسان اليمني يتمتع بقدرات خارقة في التعامل مع الظروف الصعبة، وتطويع الطبيعة القاسية لإرادته، وتسخيرها لصالحه، فنحت الصخر وبنى وشيد المنازل على السفوح والقمم العالية الشامخة.
ثلاثة إعوام من العدوان روينا جغرافيا اليمن بدمائنا، كي يقتنع العالم أننا لن نقبل الحياة إلا بشروطنا، وعلى العالم أن يقبلنا كما نحن السادة على أرضنا، ومن يقترب منها ستحاربه حتى صخورها.
—
* باحث وسياسي يمني – رئيس مركز الدراسات الاستراتيجية في اليمن
The post من ميدان السبعين الشعب اليمني يخاطب العالم: لسنا للبيع وليس منا من يبيع appeared first on البديل.
ليست هناك تعليقات