لا تترك السلطة في مصر منفذا للتنفس إلا وأغلقته، لا على المستوى السياسي فقط، بل في كل المجالات، سياسية واقتصادية وإعلامية وخيرية وفنية وثقافية.. لم يبق في ساحاتنا إلا المنافقين والمطبلين ومبرري كل قرار رسمي مهما حمل من مآس وخطايا… وقد كان آخر هذه الخطايا ما تعرض له المهندس عبد الناصر فراج من تعطيل متعمد لسفره إلى ألمانيا في بعثة دراسية لنيل درجة الماجستير، وتعريضه لرحلة مملة متكررة بغيضة أمام فروع الأمن الوطني طلبا لتصريح السفر.. رحلة انتهت بكلمات قصيرة من ضابط أمن: “أوراقك مش عندنا” .. لنترك عبد الناصر يروي قصته:
أنا عبدالناصر فراج, مهندس كهرباء، خريج سنة 2017… وبدءا من نوفمبر 2016 كنت أحضر نفسى للتقديم لدراسة الماجستير فى ألمانيا والحصول على منحة دراسية, والحمدلله فى يونيو 2017 وبعد تعب ومشقة أكرمني الله ووقُبلت لدراسة الماجيستير فى جامعة برلين التقنية، بداية من سبتمبر 2017 إلى سبتمبر 2019، ثم وفقت في الحصول على منحة لتغطية مصاريف الدراسة التي تقدر بحوالى نصف مليون جنيه مصري.. ولأنى لم أؤدي الخدمة العسكرية فقد قدمت أوراقى لإدارة البعثات التعليمية بتاريخ 6 يوليو 2017 لتأجيل الخدمة العسكرية سنتين لدراسة الماجستير بألمانيا، وهو إجراء يقوم به نحو 30 ألف طالب كل سنة للدراسة بالخارج.
ويواصل عبد الناصر: صدر قرار يلزم أي طالب يريد أن يدرس بالخارج بالحصول على موافقة من الأمن الوطنى, والطبيعى أن هذه الموافقة لا تستغرق أكتر من 15 يوما, لكني انتظرت شهرا كاملا دون أن تأتي الموافقة المنتظرة.. بدأت في التردد على كل فروع الأمن الوطنى لأسأل عن موافقتى وأشرح لهم مدى أهمية الموضوع وأن حياتي ومستقبلى مبنيان على سفري لنيل منحة الماجستير، لكن للأسف دون أي استجابة.. كررت الذهاب والسؤال، لعلي أعرف سبب التأخير لكنهم لم يردوا ولم أصل لأي نتيجة.
أخبرتهم أن دراستى بدأت، ولا رد يأتيني, ذهبت إلى مقار الأمن الوطني أكثر من 50 مرة حرفيا على مدار حوالى 4 أشهر لأسأل عن أوراقي دون رد أو بارقة أمل، وفي إحدى هذه المرات، كلمنى ظابط وطلب بطاقتى الشخصية وكشف عليّ أمنيا ثم أخبرني وديا بالكارثة: “أنت مفيش عليك أى حاجة بس أنا دورت على ورقك وهو مش عندنا”.. وكان هذا أسوأ إجابة بعد انتظار أربعة أشهر.
ومن جهة أخرى، كان مكتب الاستعلامات بوزارة التعليم العالى يؤكد لي أن أوراقي عند الأمن الوطني، وليس بيدهم ما يقدمونه لي، وأنني يجب أن أبحث بنفسي عن الأوراق لإنهاء مشكلتي.. فقدت الأمل في أن يأتيني رد قريب يمكنني من أن ألحق بدراستي التي بدأت فعلا.. قررت أن أقدم التماسات بمشكلتى فى الجهات الحكومية المعنية، وأرفقت معها نسخا من كل أوراقى أوضحت فيها فيها وضعى الحرج، وتاريخ بداية الدراسة, فى 18 أكتوبر.. وقدمت التماسات رسمية كتابية إلى: رئاسة مجلس الوزراء، جهاز الأمن الوطني، مساعد وزير الداخلية لحقوق الإنسان.
حاولت متابعة الالتماسات, الأول أضاعوه ومضطر لأن أقدم من جديد، والثاني تسلموه وقالوا لي سنتصل بك لو احتجناك, ولم يهتم أحد منهم حتى الآن،
والثالث، وبعد ما أوضحت لهم أن وضعي حرج، وأن مستقبلي مرهون بهذا الإجراء أخبروني أنهم خاطبوا الجهة المعنية، وردت عليهم بأنه “هيتم الرد عليكم”.. وإلى الآن لا رد.
لم تقتصر مأساة فراج على تعطيل دراسة الماجستير، فبسبب تأخر الورقة الأمنية سيمنع عبد الناصر من حضور مؤتمر سوتشميد للتنمية المستدامة، رغم كونه ممثل مصر الوحيد في المؤتمر، كما حرم بالفعل من السفر إلى إيطاليا لحضور مؤتمر فى جامعة سيينا، الذي عقد في 4 أكتوبر الجاري، رغم تلقيه دعوة رسمية.
حتى سنوات قريبة مضت، كان من يتعرض لما تعرض له عبد الناصر فراج أن يبادر إلى رفع دعوى قضائية، مطالبا بإلغاء القرار السلبي للجهة المختصة بالامتناع عن إصدار الموافقة.. أما الآن، ومع الأسف الشديد، فإن من بيدهم مقاليد السلطة يصرون على أن يدفعوا الشباب إلى اليأس من الانتصاف بأي طريق..
The post محنة عبد الناصر فراج appeared first on البديل.
ليست هناك تعليقات