البديل
بغداد وأربيل.. محاولات لإذابة الجليد
بمرونة دبلوماسية حملت في طياتها نوعًا من الحزم، طالب رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، أمس، إقليم كردستان بإعلان الالتزام بشكل واضح بعدم الانفصال عن العراق، وذلك بناءً على قرار المحكمة الاتحادية.
العبادي، بذلك الطلب، وضع السلطة المحلية في إقليم كردستان العراق أمام خيارين لا ثالث لهما، إما الإعلان عن الالتزام بوحدة العراق، في إشارة إلى ضرورة إلغاء نتائج استفتاء الانفصال، أو إعلان الاستقلال عن العراق، ويفتح الخيار الأول بوضوح أبواب الحوار بين الطرفين، أما الثاني فإنه يضع أمام الحكومة الاتحادية كل الخيارات ومنها العسكرية، للحفاظ على وحدة البلاد وفقًا للدستور.
دعوة العبادي للإقليم الكردي، تأتي بعد تأكيد المحكمة الاتحادية عدم وجود أي مادة تجيز انفصال أي من مكونات العراق، وبذلك يتعارض الاستفتاء الكردي مع المادة “1، 11، 13، 50، 67، 94” من مواد الدستور العراق، وبالتالي الاستفتاء باطل ولا يترتب عليه أي أثر قانوني، كما ألزمت المحكمة الاتحادية كلًا من السلطتين التشريعية والتنفيذية بالحفاظ على وحدة العراق.
مطالب الحكومة الاتحادية لم تتوقف عند إلغاء استفتاء الانفصال فحسب، بل تضمنت أيضًا ضرورة تسليم كل المعابر الحدودية والمطارات، وهو الدور الذي يرى متابعون أنه جزء أساسي منوط بمهام الحكومة العراقية، فالحكومة ماضية بتطبيق الدستور كاملًا دون انتقاص، بما في ذلك فرض الأمن في المناطق المتنازع عليها، وفي نفس الوقت السيطرة على المنافذ الحدودية وعلى المطارات تحت السلطة الاتحادية، ولا خيار إلا أن تدخل القوات الاتحادية إلى جميع المناطق العراقية.
الحكومة العراقية اتهمت أربيل، في وقت سابق، بالمماطلة في تسليم المعابر الحدودية، وفي بادرة قد تفتح باب الحوار، أعلن رئيس حكومة كردستان العراق، نجيرفان بارزاني، أمس، استعداد الإقليم لتسليم إدارة الحدود وإرادات النفط للحكومة الاتحادية شريطة إرسال بغداد 17% من الموازنة المالية الاتحادية لعام 2018 إلى الإقليم، كما شدد البارزاني، في ختام اجتماع استثنائي لحكومة الإقليم، على ضرورة أن تدفع الحكومة المركزية في بغداد رواتب الموظفين في كردستان، وقال إن الموقف الدولي واضح حيال ما يجري بين الإقليم والحكومة المركزية، وإن الدول الكبرى تدعم حل الخلاف بينهما عبر الحوار ووفق الدستور العراقي، مشيرًا إلى أن منطق القوة والاستعراض العسكري لن يؤدي إلى حل النزاعات المزمنة بين الطرفين.
تصريحات بارزاني، التي تضمنت نوعًا من التنازلات وتتجه بفتح نحو المفاوضات مع الحكومة المركزية، تأتي عقب اقتراح مجلس الوزراء العراقي خفض حصة إقليم كردستان من الإيرادات في الموازنة الاتحادية للعام 2018، وأظهرت مسودة أولية أن حصة كردستان في موازنة 2018 تقلصت إلى 12.6% من 17%، وهي النسبة التي كانت تخصص للإقليم عادة منذ سقوط صدام حسين.
وكان الدستور العراقي، الذي تبنته البلاد بعد سقوط صدام، قد وضع نظاما يضمن حكما ذاتيا للأكراد مع نصيب من إجمالي الإيرادات يتناسب مع نسبة سكان الإقليم إلى إجمالي سكان العراق، وفي السنوات الثلاث الماضية، أوقفت بغداد إرسال الأموال، بينما سيطر الأكراد على البنية التحتية للنفط بأكملها تقريبا في شمال العراق وباعوا كميات من الخام بما يكفي لتمويل أنفسهم، ولكن حملة الحكومة العراقية، التي استعادت بموجبها مناطق منتجة للنفط من الأكراد الشهر الماضي، تعني أن الإقليم المتمتع بالحكم الذاتي سيضطر للاعتماد على بغداد في الأموال، في الوقت الذي تطالب الحكومة المركزية بوقف جميع عمليات البيع المستقل لنفط كردستان.
ويبدو أن التغيرات الأخيرة على مناطق السيطرة على حقول النفط، بالإضافة إلى دعم قوى إقليمية مؤثرة كتركيا وسوريا وإيران لحكومة العبادي، جعلت نيجيرفان بارزاني، يظهر نوعًا من المرونة لم يبدها رئيس الإقليم المستقيل مسعود بارزاني، فأربيل اليوم باتت مستعدة لتسليم جميع المـلفات بما فيها ملف النفط، مقابل أن تتعهد بغداد بدفع رواتب موظفي الإقليم والدخول في حوار وصفه نيجيرفان، بالجاد لحل المشاكل العالقة بين الحكومتين الإقليمية والاتحادية.
وتكمن أهمية التحرك العراقي باتجاه محاولته لتصفية النزاع مع إقليم كردستان في الوقت الذي يستعد فيه العراق لتخلص من تنظيم داعش الإرهابي بشكل كامل بعد معركة القائم، وهو الأمر الذي قد يفتح الباب واسعًا أمام العديد من الملفات الشائكة ومن ضمنها الملف الكردي الذي يجب حسمه سريعًا، خاصة أن الولايات المتحدة مازالت تبحث عن منافذ بديلة عن الإرهاب لإبقاء قواتها العسكرية في العراق، فبالرغم من أن واشنطن دعمت ولو ظاهريًا الحكومة المركزية ضد استفتاء كردستان، فإن لدى الإدارة الأميركية مصلحة كبرى في الحفاظ على علاقاتها مع حكومة إقليم كردستان والظهور بمظهر الحليف المساند، وإلا فستتضرر صورة واشنطن وتحالفاتها في المنطقة، لأنه يُنظر إلى المنطقة الكردية على أنها نتاج أمريكي وحليف لها.
The post بغداد وأربيل.. محاولات لإذابة الجليد appeared first on البديل.
ليست هناك تعليقات