الأربعاء، 29 نوفمبر 2017

شادية.. آخر صوت رحل من الميدان

البديل
شادية.. آخر صوت رحل من الميدان

كانت الوجوه تكسوها ملامح الإرهاق والتعب، وكان الجميع مجهدا، حتى انطلق صوت “شادية” الدافئ الحنون: ما شافش الأمل في عيون الولاد وصبايا البلد، والعزم اتولد..

كانت العيون ممتلئة بدموع اختلطت فيها آثار قنابل الغاز الخانقة بالبكاء على صديق قُتل، بعد ليلة دامية شهدتها جمعة الغضب.. جموع المهمشين والمحتجين والشباب والرافضين كانت تحتمي بميدان التحرير وكل ميادين مصر، في ثورة الخامس والعشرين من يناير، بقلوب يملؤها الإصرار والقلق والترقب، وربما الخوف في لحظات كثيرة، من خطر جديد لطلقات الرصاص والقنابل، حتى صدحت شادية: “ولا شاف النيل في أحضان الشجر.. ولا سمع مواويل في ليالي القمر.. ولا شاف العناد في عيون الولاد.. وتحدى الزمن” ليسري صوتها في الأجساد المحتشدة في برد يناير يلهمها الحماس والإصرار.

“ما شافش الرجال السمر الشداد فوق كل المحن.. ولا شاف إصرار في عيون البشر.. بيقول أحرار ولازم ننتصر”، كان صوتها نغمة الوطن الثائر، السائدة في أنحاء الميادين، وكانت أغنية “يا حبيبتي يا مصر” التي تلقفتها الجماهير لترددها وتسجلها على الهواتف المحمولة ودفعها الحس الشعبي لتتصدر المشهد وتغطي نغماتها أرجاء الميادين.

كانت الأغنية هي الوسيلة التي يلتف حولها المتظاهرون بعد انتصاف ليل القاهرة في ميدان التحرير، وكان الجميع يصدح مع صوت شادية، ذلك الصوت الذي يخترق القلوب بحنان ودفء وطني منقطع النظير.. كان الجميع يتراقص مع كلماتها، ومع الهتاف يغني الجميع “يا أحلى البلاد يا بلادي.. يا حبيبتي يا مصر يا مصر”، وكان صوت شادية كفيلا بأن يُشعل حماسة الجماهير بالأغنية، كثيرون دمعت أعينهم.

لا عجب أن تتصدر أغاني شادية الوطنية المشهد وتغطي نغماتها أرجاء الميادين، فقليل من الأغاني الوطنية على مدار عقود ماضية التي لم تكن مرتبطة بطبيعة النظام الحاكم ومن هذا القليل أغنية “يا حبيتي يا مصر” التي تغنت بها قبل أكثر من 40 عاما، وهي الأغنية الأكثر إذاعة بين الأغاني الوطنية عبر موجات الراديو وشاشات التليفزيون.

لم تغنّ شادية لرئيس أو زعيم كما فعل الكثيرون، كانت فقط تغني للوطن، وهذا هو الصدق الفني، ولذا فقد كانت الحاضرة دائما وبقوة في جميع أحداث الثورة وتطوراتها على مدار السنوات منذ 2011، وفي أحداث ستاد بورسعيد كانت شادية تغنى بقوة “أمانة عليك أمانة يا مسافر بورسعيد لتبوس لي كل إيد”.

لم تكن شادية مجرد دلوعة الشاشة، كما أطلق عليها في بداياتها، لكنها أيضا مواطنة مصرية، وفنانة عاشت قضايا بلدها وغنت له في أعمال عدة فقد كانت لها وقفة غنائية مع كل حدث أو مناسبة وطنية عزيزة، حفرت في الذاكرة ويتردد صداها في القلوب وعلى الألسنة، فغنت في أوبريت “الوطن الأكبر” إلى جانب صباح ووردة وعبد الحليم حافظ وفايدة كامل، من ألحان الموسيقار محمد عبد الوهاب، ومن ألحانه أيضا شاركت في غناء نشيد “صوت الجماهير”، كما غنت “يا أم الصابرين” و”بلد الأحرار” و”مصر اليوم في عيد”، و”ادخلوها آمنين”. و”بنينا السد”، ولبورسعيد “أمانة عليك” وغيرها.

The post شادية.. آخر صوت رحل من الميدان appeared first on البديل.


ليست هناك تعليقات

جميع الحقوق محفوظة لــ مدونة عربي التعليمية 2015 ©