البديل
«تنمية جنوب الصعيد».. تحدي إنقاذ 10 ملايين مواطن
معاناة دامت عشرات السنين، بين الفقر المدقع، وغياب الخدمات، وقلة فرص العمل، لأكثر من 10 ملايين مواطن في 5 محافظات بجنوب الصعيد، أدركتها الحكومة مؤخرًا وبدأت الالتفات لذلك القطاع الإقليمي الأكثر فقرًا بين القطاعات المصرية، فرغم وفرة خيراته وموارده واستحواذه على النصيب الأكبر من الكنوز الأثرية، فإنه يعاني عدم تحقيق التنمية الفعلية.
قرار الحكومة الذي رسم بسمة أمل جاء يوم الأربعاء الماضي، بعدما أعلن أبو بكر الجندي، وزير التنمية المحلية، موافقة مجلس الوزراء برئاسة المهندس شريف إسماعيل، على إنشاء هيئة تنمية جنوب الصعيد ومقرها أسوان، وذلك وفقًا لما جاء بالمادة 236 من الدستور التي تكفل التزام الدولة بوضع الخطط الخاصة بالمناطق التنموية بالمحافظات، وأن الهيئة لها شخصية اعتبارية وتستهدف الإسراع في تنفيذ مشروعات التنمية الاقتصادية الشاملة في الصعيد بمشاركة أهلية لتعظيم العائد من تنفيذ المشروعات الخاصة بها مع مراعاة باقي المشروعات المنفذة بمحافظات الصعيد.
البعض أكد أن التحدي المنتظر لهذه الهيئة قد يكون صعبًا للغاية، في ظل تنامي مؤشر معدلات الفقر بمصر، وأن الهيئة الجديدة ستكون عديمة الجدوى إلا في حالة البدء بشكل قوي وحقيقي في مشروعات البنية الأساسية، وبدون ذلك ستقع المشروعات المرتقبة في أزمات عديدة.
وائل المشنب، عضو مجلس النواب عن دائرة أخميم بسوهاج، وعضو لجنة التعليم والبحث العلمي، قال إن قرار الحكومة بإنشاء هيئة تنمية جنوب الصعيد جاء بعد طول انتظار، فتلك المحافظات هي الأكثر بطالة وفقرا ونقصا للخدمات على جميع الأصعدة، مشيرًا إلى أنه لا يتصور أن البعض في الألفية الثالثة مازال يبحث عن كوب مياه نظيف للشرب.
ويرى المشنب خلال حديثه لـ”البديل” أن الخطوة الأولى لتحقيق التنمية الفعلية من قبل تلك الهيئة يجب أن تكون النهوض بالبنية التحتية وعلى رأسها “الصرف الصحي”، مضيفا: أنا لا أقصد بالصرف الصحي فقط شبكات تصريف المياه، إذ إن غياب تلك الخدمة الهامة التي نفتقدها بالصعيد سبب لانتشار أمراض كثيرة أصابت آلاف المواطنين، وسبب لرفع معدلات الإصابة بفيروس سي والفشل الكلوي، بل وانهيار بعض المنازل، وذلك لاختلاط مياه الصرف بمياه الشرب، ومن ثم فلا يمكن الحديث عن أي تنمية في ظل مسلسل إصابة المواطنين بالأمراض، لأن ذلك سيعود على الدولة بالسلب مرة أخرى بصرف مئات الملايين لتوفير الأدوية التي يحتاجها المرضى، فيجب أن نقتلع المشكلات من جذورها قبل الحديث عن أي تنمية لأن العامل البشري هو الأهم في ذلك.
وأشار عضو مجلس النواب إلى أن الخطوة الثانية التي يجب أن تستكمل للنهوض بأحوال جنوب الصعيد هي عمل المصانع الكبرى، وتيسير سبل عملها بتخصصات تخدم السوق، وتجذب أعدادا كبيرة من الشباب أسوة بقلاع الصناعة التي كانت موجودة في السابق، مع زيادة أعداد المدارس حتى تصبح أكثر فاعلية فليس من الممكن أن نرى تنمية والطلاب يزيد عددهم عن 70 و80 طالبا بالفصل الواحد وداخل مدارس متهالكة.
واختتم المشنب حديثه بأنه “لن يكون هناك تنمية حقيقية بالصعيد إلا بعد التخلي عن المركزية والتخلص من البيروقراطية التي تعيقنا منذ عشرات السنين، فيجب أن يكون لتلك الهيئة الجديدة صلاحيات كبيرة تساعد في إنجاز المشروعات وتسهيل مهام المستثمرين سريعًا.
في نفس السياق، قال الدكتور محمود مصطفى، خبير الاقتصاد والعلاقات الدولية إن قرار إنشاء هيئة تنمية جنوب الصعيد أمر هام ومن خلاله يتم تطوير الزراعة والصناعة والتعليم في الصعيد، ولكن لابد من توفير دراسات جدوى المشاريع حسب كل محافظة، فبعض المحافظات تحتاج إلى تطوير الاستثمار السياحي لأن هذا أهم ما يمكن أن تقدمه، والبعض الآخر يتطلب الاهتمام بالزراعة والثروة الحيوانية، والأخرى تحتاج لفتح المصانع للتصنيع التقني، فكل هذا يتطلب من كل محافظة التعاون مع هيئة تنمية جنوب الصعيد وتوفير البيانات اللازمة لاختيار المشاريع الضرورية للنهوض بالمحافظة، ويقوم البنك المركزي بتوفير السيولة النقدية التي يحتاجها كل مشروع.
وأضاف مصطفى لـ”البديل” أنه ينبغي دراسة النهوض بالزراعة واستغلال الأراضي الموجودة بجوار مجرى النيل، والتي يتم تجريفها حاليا أو التعدي عليها بالبناء، فهي تمثل كنزا كبيرا إذا ما تم استغلالها بالشكل الأمثل، ولو حدثت تلك الخطوات بصورة سليمة سيرتفع النمو الاقتصادي في محافظات الجنوب، وتخرج من منطقة الفقر إلى منطقة صناعية زراعية، وتصبح تلك المنطقة عاملا أساسيا في النمو الاقتصادي.
وأشار الخبير الاقتصادي إلى أنه في المؤتمر الاقتصادي الأخير في القاهرة في يناير 2018 وعد العديد من رجال الأعمال بإنشاء مشاريع صناعية في الصعيد إذا وجدوا ضمانات كافية من البنك المركزي بحماية استثماراتهم، وهذا يعتمد على صدور قانون من وزارة الاستثمار (هيئة الاستثمار) لمساندة مشاريع رجال الأعمال، بل طلبوا القيام باتخاذ خطوات إيجابية قبل بداية العام المالي الجديد أول يوليو 2018، وتخصيص ما يقارب 250 مليار جنيه لمشاريع البنية التحتية والنقل والتصنيع، ولذلك فيجب أن يتم الاستجابة لمتطلباتهم بأسرع وقت لمعرفتهم جيدا بسوق العمل واحتياجاته.
وكان الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء قد كشف في تقريره العام الماضي عن تطور نسبة الفقراء (السكان تحت خط الفقر) على مستوى إجمالي الجمهورية في الفترة من 1999/2000 حتى 2015، حيث زادت نسبه الفقراء من 16.7% عام 1999/2000 إلى 21.6% عام 2008/2009 إلى 25.2% عام 2010/2011 ثم 27.8% عام 2015، ونفس النسبة تقريبا للعام الأخير.
وأشار التقرير إلى أن 56.7% من ريف الوجه القبلي فقراء ولا يستطيعون الوفاء باحتياجاتهم الأساسية، وأن أعلى مستويات الفقراء تستحوذ عليها محافظتا أسيوط وسوهاج بنسبة 66%، ثم محافظة قنا بنسبة 58%، بينما تصل النسبة في محافظة القاهرة إلى 18% في حين تمثل محافظة بورسعيد أقل المحافظات في نسبة الفقراء والتي تبلغ 6،7%، الأمر الذي يكشف سوء أحوال المحافظات بالصعيد ومعيشة الغالبية العظمى بها في ظروف صعبة.
The post «تنمية جنوب الصعيد».. تحدي إنقاذ 10 ملايين مواطن appeared first on البديل.
ليست هناك تعليقات