البديل
الصين تبني النظام العالمي الجديد والولايات المتحدة تردد الشعارات
نشرت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية مقالا للكاتب، أندرو براون، يسلط فيه الضوء على تراجع الدور الأمريكي العالمي، موضحا أنه في حين تنطلق الصين لتبني الجسور والطرق السريعة، تقف الولايات المتحدة دون حراك تردد الشعارات.
وأشار الكاتب إلى أن الولايات المتحدة قديما كان لديها استراتيجية قوية كبيرة، حيث برنامجها الاقتصادي المعروف بـ”مشروع مارشال” الذي وضعه الجنرال جورج مارشال لإنقاذ وإعادة تعمير أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية قد خلق نظاما عالميا جديدا تقوده الولايات المتحدة.
وهناك دين آتشيسون، وزير الخارجية الأمريكي الأسبق، الذي لعب دورا محوريا في إقامة التحالف الغربي المناوئ للكتلة الشرقية التي تزعمها الاتحاد السوفييتي زمن الحرب الباردة.
ويعتبر آتشيسون من أبرز مهندسي العديد من المنظومات الدولية بعد الحرب العالمية الثانية، حيث ساهم بشكل مهم في إنشاء حلف الناتو وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي ورسم ما أصبح “مشروع مارشال”.
لكن اليوم هناك بلد واحد لديها هذا النوع من الطموح الجريء، وهي الصين، في حين أمريكا التي انغلقت على داخلها تخلت عن الميدان.
ولفت الكاتب إلى أن مبادرة “الحزام والطريق” الصينية التي أطلقها الرئيس الصيني شي جين بينغ في عام 2013 لمشروعات التنمية العالمية هي مشروع مارشال للقرن الحادي والعشرين. وهذه المبادرة لا تتعلق بالدرجة الأولى بالمال كما يعتقد كثيرون.
الأموال الموعودة التي تقدر بنحو تريليون دولار لبناء بنية تحتية تجارية تربط بين شرق آسيا وأوروبا – عبر موانئ وخطوط سكك حديدية وشبكات تكنولوجيا معلوماتية وأنابيب طاقة – تتضاءل بسبب الاحتياجات الواسعة للمنطقة التي تضم ثلثي سكان العالم.
سوف تحتاج آسيا وحدها إلى 26 تريليون دولار في بنية تحتية جديدة بحلول عام 2030 لمجرد الحفاظ على النمو الحالي، وفقا لبنك التنمية الآسيوي.
بدلا من ذلك، مبادرة “الحزام والطريق” هي في معظمها حول قوة الأفكار لإعادة تشكيل العالم. هذه هي المقارنة الحقيقية مع مشروع مارشال، الذي نفقاته – ما يقرب من 140 مليار دولار أمريكي – كانت متواضعة على نحو مماثل لمواجهة التحدي المتمثل في تجميع قارة محطمة بعد الحرب.
وأكد المقال أن الإرث الدائم لمشروع مارشال لم يكن في الواقع هو المصانع والمدارس والمستشفيات التي بنيت بقروض الولايات المتحدة، ولكن مساهمته في القيم التي دعمت إرساء نظام حر ما بعد الحرب من حرية التجارة والديمقراطية والحكم القائم على القواعد في إطار مؤسسات قوية متعددة الأطراف.
لكن هل هذه كانت لحظة أمريكا الملائكية، حيث لم يحدث من قبل أن ينفق المنتصر في الحرب بسخاء على إعادة تأهيل الحلفاء والأعداء معا.
يشير الكاتب أنه من السذاجة اعتقاد أن الولايات المتحدة قد فعلت ذلك من باب الإيثار. الحقيقة هي أن أوروبا المفتوحة وفرت سوقا للصادرات الأمريكية. كما أدت التدفقات الحرة للسلع ورأس المال إلى إرساء قوة أمريكا الأساسية: ديناميكية قطاعها الخاص ونظام اقتصادي عالمي قائم على الدولار الأمريكي.
وأخيرا، في تفكير المخططين الأمريكيين مثل السيد آتشيسون، فإن عالم حر مزدهر بقيادة الولايات المتحدة قدم حصنا ضد الاتحاد السوفيتي في الحرب الباردة.
مبادرة الصين يكاد يكون من المستحيل قياسها من حيث أطنان الخرسانة المصبوبة، أو مسارات السكك الحديدية المنصوص عليها. يبدو أنها ستشمل أي مشروع للبنية التحتية مدعوم صينيا في أي مكان في العالم. في الأسبوع الماضي، أدرجت الصين القطب الشمالي في إستراتيجيتها.كما يروج الرئيس الصيني لرؤيته بأنها مبادرة “مجتمع ذو مصير مشترك”.
في الواقع – وفقا للكاتب – لا أحد يبني البنية التحتية بنفس سرعة الصين، أو لديه وسائل مماثلة لتمويله. وهذا هو احد الأسباب التي جعلت الصين تحصل على توقيع حوالي 70 بلدا.
هذا كله يخدم ترويجا هائلا للنموذج الصيني المناهض للنموذج الأمريكي، حيث مبادرة الحزام والطريق كعلامة تجارية دولية للصين، ثم تخيل الحزب الشيوعي الصيني باعتباره الذراع التسويقي، والرئيس الصيني نفسه كسفير للعلامة للتجارية.
حوالي 90% من جميع المقاولين في مشاريع “الحزام والطريق” هم من الصينيين، وفقا لبيانات مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية، وهو مركز أبحاث مقره واشنطن. وتصبح العملة الصينية – اليوان – هي وسيلة للتبادل على نحو متزايد.
وأوضح الكاتب أن مكاسب اقتصادية ضخمة تجنيها الصين، لكن المكسب الأهم هو بالنسبة لبكين هو تعاظم النفوذ الصيني.
في شهادة حديثة أمام لجنة بالكونجرس الأمريكي، قالت نادج رولاند، الخبيرة في مبادرة “الحزام والطريق” بالمكتب الوطني للبحوث الأسيوية أن “هذه المبادرة ستؤدى إلى زيادة النفوذ الصيني والسيطرة المحتملة على منطقة رئيسية من العالم”.
وأضافت “إنها أداة رفع الصين دون عراقيل إلى وضع الدولة العظمى”.
وسطكل هذا – وفقا للمقال – أمريكا لا تقف في الطريق. نهج دونالد ترامب القومي وشعاراته بشأن “أمريكا أولا” هو إستراتيجية عكسية.كذلك الخطاب الغامض للخارجية الأمريكية حول أهمية وجود منطقة “هندي– هادئ حرة ومفتوحة” لمواجهة تزايد نفوذ بكين له مضمون ضئيل لدعمه.
لذلك بينما تقوم الصين بأدوارها العالمية الجديدة ببناء الجسور والطرق السريعة، تستمر أمريكا في ترديد الشعارات معانسحاب السيد ترامب من النظام الليبرالي العالمي الذي رعته وقادته الولايات المتحدة منذ الحرب.
ويختتم الكاتب مقاله قائلا أن العديد من النخب العالمية في دافوس تحيي السيد شي وكبار مساعديه لأنهم يسيرون ضد سياسات الحماية والوصاية الأمريكية، وأشادوا بـ”الحزام والطريق” باعتبارها “العولمة 2”.ربما أوقفوا شكوكهم بشأن بكين أو تخلوا عن أمريكا. وفي كلتا الحالتين، فإن الاستراتيجية الكبرى الفائزة هي الصينية.
The post الصين تبني النظام العالمي الجديد والولايات المتحدة تردد الشعارات appeared first on البديل.
ليست هناك تعليقات