البديل
محاولات قطرية لإعادة تسميم الأجواء المصرية السودانية
دخلت العلاقات المصرية السودانية خلال الأيام الماضية منعطفًا جديدًا؛ أقل توترًا وأكثر ودية، بعد اضطرابات سياسية ودبلوماسية منذ بداية العام الجاري، وصلت إلى حد استدعاء السفير السوداني من القاهرة، لكن يبدو أن هدوء العلاقات والإشارات الإيجابية التي صدرت عن الجانبين خلال الفترة الأخيرة، أثارت مخاوف قطر التي تحاول العبث بالأمن القومي المصري من خلال التغلغل في إفريقيا ومحاولة استرضاء بعض جيرانها لإحلال النفوذ القطري مكان المصري، وهو ما يظهر في التحرك الدبلوماسي من وزير خارجية الدوحة تجاه الخرطوم.
زيارة قطرية إلى السودان
وصل نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الخارجية القطري، محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، إلى السودان، مساء أمس السبت، في زيارة رسمية من المفترض أن تستغرق يومين، حيث استقبل “آل ثاني” بمطار الخرطوم وزير الخارجية السوداني، إبراهيم غندور، وسفير دولة قطر لدى السودان، راشد بن الرحمن النعيمي.
وقال المتحدث باسم الخارجية السودانية، قريب الله خضر، إن المسؤول القطري يعتزم تسليم الرئيس السوداني، عمر البشير، رسالة من أمير قطر، تميم بن حمد آل ثاني، رسالة تعد الثانية من نوعها في غضون عشرة أيام، حيث كانت الأولى في 28 فبراير الماضي، نقلها السفير القطري لدى الخرطوم، مصطفى عثمان إسماعيل.
ومن جانبه، وصف وزير الخارجية السوداني زيارة نظيره القطري إلى الخرطوم بأنها “تاريخية ومن شأنها تعزيز العلاقات الاستراتيجية بين البلدين في كافة المجالات”، وأضاف أن “الجانبين سيجريان اليوم الأحد مباحثات تتناول القضايا الثنائية وتبادل وجهات النظر حول القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك، بجانب سبل تقوية العلاقات وتعزيزها بما يخدم البلدين الشقيقين، وأن المباحثات بين الجانبين ستكون شاملة، وتتعلق بكل الملفات التي تربط بين السودان وقطر”.
هدوء العلاقات المصرية السودانية
زيارة وزير الخارجية القطري السريعة والمفاجئة إلى السودان، جاءت في الوقت الذي بدأت فيه العلاقات السودانية المصرية تحبو خطواتها الأولى تجاه التهدئة، بعد أزمة سياسية ودبلوماسية انطلقت منذ بداية العام الجاري، دفعت العلاقات بين الطرفين إلى حافة الهاوية؛ على خلفية العديد من الملفات؛ في مقدمتها الموقف السوداني من مفاوضات سد النهضة الإثيوبي، والإشارات حول مساندة الخرطوم لأديس أبابا في الملف ضد القاهرة، وجاءت اتهامات الرئيس السوداني بإرسال أسلحة مصرية إلى متمردي دارفور، لتزيد الطين بله، الأمر الذي نفاه نظيره المصري عبد الفتاح السيسي، بشدة في تصريحات علنية، وأعقبتها اتهامات أخرى من وزير الخارجية السوداني بأن مصر استخدمت مياهًا من حصة السودان طوال عقود وأن عليها رد ما أخذته، فيما جاءت زيارة الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، إلى الخرطوم لتصب المزيد من الزيت على النار.
صدر عن الطرفين السوداني والمصري خلال الأسابيع الماضية، العديد من التصريحات التي تشير إلى عودة المياه إلى مجاريها، حيث انطلقت أولى الإشارات الإيجابية وبداية التصريحات الودية التي دفعت باتجاه حلحلة الأزمة، في اللقاء الذي تم بين الرئيسين السيسي والبشير، على هامش قمة الاتحاد الإفريقي في نهاية يناير الماضي بأديس أبابا، والذي أكد خلاله الطرفان على ضرورة الاحترام المتبادل ومراعاة المصالح المشتركة، وتشكيل لجنة رباعية لبحث جميع الملفات الخلافية بين البلدين، ما أدى إلى انفراجة كبيرة في الأزمة، أعقبها اجتماع رباعي مصري سوداني في القاهرة الشهر الماضي، ضم وزراء الخارجية ورؤساء الاستخبارات في البلدين، وصدر عنه بيان من أحد عشر بندًا، تضمن في مقدمته الاتفاق على حل الأزمات في ما بينهما بالتشاور والتنسيق وعدم التصعيد، كما تم إعداد وثيقة شرف إعلامية بين القاهرة والخرطوم وتوقيعها، والالتزام بالمعايير الإعلامية بين البلدين.
بعيدًا عن التصريحات الكلامية الصادرة عن الطرفين المصري والسوداني، برزت الخطوات الفعلية على الساحة أيضًا لتؤكد عودة التعاون المصري السوداني مجددًا، حيث عاد السفير السوداني في مصر، عبد المحمود عبد الحليم، إلى القاهرة، الأسبوع الماضي، بعد شهرين من استدعائه إلى الخرطوم للتشاور بسبب الخلافات بين البلدين، وفي أول تصريحات له خلال مؤتمر صحفي بمقر السفارة السودانية بالقاهرة، الجمعة الماضية، قال إن السودان لديها العديد من الاتفاقيات سيتم تنفيذها مع مصر والسعودية، وأشار إلى أن بلاده اقترحت على القاهرة إنشاء قوة مشتركة، لحماية الحدود بين البلدين ومكافحة التهريب بينهما، على غرار القوة المشتركة بين السودان وتشاد، مشيدًا بالعلاقات بين البلدين، كما عبر عن أمله في ألا تؤثر أي مشكلات سياسية على هذه العلاقات.
وأوضح الدبلوماسي السوداني أن “الجانب المصري طرح خلال الاجتماع الرباعي بين وزيري خارجية ورئيسي جهاز المخابرات في البلدين، عدد من القضايا على الجانب السوداني، على رأسها موضوع الحظر السوداني على استيراد الخضر والفاكهة من مصر، بالإضافة إلى ضمان ألا تأوي السودان أي عناصر مناوئة لمصر على أراضيها”، متابعا أن “الخرطوم قدم للقاهرة قائمة بالعناصر المناوئة للسودان المقيمة في مصر، وقدم معلومات كاملة بما تقوم به هذه العناصر”، وأعرب عن سعادته بالعودة من جديد لممارسة مهام عمله، كما أعرب عن أمله في أن تشهد الفترة المقبلة ليس فقط حل القضايا العالقة بين البلدين، وإنما دفع هذه العلاقات للأمام، وأكد أن الفترة المقبلة ستشهد زخمًا في العلاقات.
زيارة وزير الخارجية القطري إلى السودان، تأتي بعد يوم واحد من زيارة أجراها رئيس المخابرات العامة، اللواء عباس كامل، إلى الخرطوم، وتضمنت محادثات مع الرئيس السوداني “عمر البشير” ووزيري الدفاع والخارجية، وناقشت القضايا العالقة بين البلدين وكيفية تفعيل التفاهمات الأخيرة، كما بحثت أهمية التواصل بين البلدين والتحديات الكبيرة التى تواجه المنطقة حتى لا تؤثر على العلاقة بين البلدين.
خلال الزيارة، وصف وزير الدفاع السوداني، الفريق أول ركن، عوض محمد أحمد، العلاقة بين السودان ومصر بالمهمة والاستراتيجية، وشدد على أهمية التواصل بين الأجهزة الأمنية في البلدين، مضيفًا: أن الأمن القومي المصري يمثل أمن الأمة، ومن الواجب حمايته، وهذا الواقع يحتم على مصر أيضًا القيام بأدوار من شأنها أن تحافظ على الأمن القومي للأمة العربية، مشيرًا إلى أهمية تشكيل كتلة لحماية الأمن الإقليمي، وأهمية التنسيق وتبادل المعلومات لحماية الحدود.
تخريب العلاقات
يبدو أن قطر اختارت أن تُسارع خطواتها تجاه السودان، بعدما وجدت أن الأجواء السياسية والدبلوماسية بين القاهرة والخرطوم عادت إلى طبيعتها، وتتجه إلى المزيد من التقارب والوديه، فالدوحة التي أصبحت تناصب العداء للقاهرة أكثر من أي وقت مضى، خاصة بعد تشجيعها للحصار المفروض على قطر من جانب السعودية والإمارات والبحرين، واشتراكها فيه، تبحث عن طريقة للتغلغل في القارة الإفريقية كسبيل لتهديد الأمن القومي المصري، وقطعت شوطًا كبيرًا في الأمر بدعمها لسد النهضة الإثيوبي الذي يهدد الأمن المائي المصري.
ويرى العديد من المراقبين أن وزير الخارجية القطري خلال زيارته السودان ومكوثه فيها يومين، سيعمل على تسميم الأجواء مجددًا بين مصر والسودان، حيث سيقدم عروضا مُغرية للخرطوم لابتزازها وفرض شروطه عليها، في مقدمتها عدم التقارب مع القاهرة، وتسخين ملف حلايب وشلاتين من جديد، وربما دفع السودان لإظهار المزيد من الدعم إلى سد النهضة الإثيوبي كطريقة لاستفزاز مصر مجددًا.
The post محاولات قطرية لإعادة تسميم الأجواء المصرية السودانية appeared first on البديل.
ليست هناك تعليقات