البديل
“الانتخابات نائمة”.. لعن الله من أيقظها
لا تظن أنه من السهل إقناع كل من حولك بأن اللون الأسود هو في حقيقته أسود اللون، وأن الأبيض أبيض، والسماء لونها أزرق، والبحر مليء بالمياه، ومصر هي ناس وشعب وليست الفتاة الجميلة التي تظهر في الأغاني والرسومات مرتدية علماً بألوانه الثلاثة، فهناك آخرون أفنوا أعمارهم وهلكوا قبل أن ينجحوا في إقناع غيرهم بتلك الحقائق الواضحة المضيئة المُثبتة بالفعل، وقد خاب من ظن أن البديهيات ليست بحاجة إلي شرح أو جهد أو معجزة ليصدقها ويؤمن بها أصحاب العقول الخاوية علي عروشها إلا من المناكفات العبثية والمجادلة بالتي هي أسوأ وأحمق.
كل من اعتبر أنه لا داعي لإضاعة الوقت في إثبات المسلمات باعتبار أن الأولين والآخرين سلموا بها تسليماً، عليه أن يراجع ويتراجع ويمحو من رأسه كل ما يعرفه ونشأ عليه، ولعله من الأفضل لو محا رأسه ذاتها أو عطلها تماماً، فهنا في “أد الدنيا” سنتعلم جميعاً حقائق عذراء لم يسبقنا إليها أحد، وأهمها أن الانتخابات والرقص كيان واحد لا ينفصلان، فالأولي “أداء” سياسي يُعبر عن حرية الاختيار الإنساني، والثانية هي “أداء” حركي يُعبر عن حرية الهز الإنساني .
سنتعلم أن الانتخابات تصبح أفضل إذا جاءت ورحلت دون أن يشعر بها أحد، فالنسمات الانتخابية العابرة ستُشعرك بانتعاش أكبر عن تلك المشحونة بالتنافس المحموم بين المرشحين، وما الداعي لهذا التنافس المذموم الذي يولد الضغائن والكراهية بين أبناء البلد الواحد، فتصبح معه الدولة مهددة بالسقوط وانفراط نسيجها الوطني، وهو ما يدفعنا جميعاً لأن نردد بحماس وإيمان شديد: “الانتخابات نائمة.. لعن الله من أيقظها”.
سنتعلم أن المرشحين، إما المحبوسون لتجرأهم أو المنسحبون من فرط ذعرهم، قد جاءوك في الأحلام ولا وجود لهم في الواقع، فالنظام الحالي أقسم ببراءته من تلك الدماء المتناثرة على “قميص عثمان”، بل كان يتمني وجود خصوم سياسيين بارزين يتمتعون بقواعد شعبية وبرامج مدروسة لإثبات جدارته واستحقاقه للفوز، وحتى تكتسب الانتخابات زخماً ديمقراطياً بدلاً من اللجوء لـ”تفصيل” مرشحين بالأمر المباشر، فوجئوا مثلنا تماماً بأنهم علي موعد لتأدية شخصية “المحلل”.
سنتعلم أن مشاهد اللجان الخالية في معظمها ليست كما تبدو عليه، بل كانت مزدحمة تتلاطم فيها الأجساد وتتصارع لضيق المساحات الفارغة، فاللجان التي غاب عنها التدفق والطوابير هي البرهان الفاحم للكل بأن الإقبال كان خيالياً وغير مسبوق، أما إذا كنت ممن يعارضون تلك الحقيقة فتأكد بأن في وجدانك شيئاً مُريباً منعك من رؤية هذا الطوفان البشري الذي انهمر علي اللجان، لذا كذب عينيك وصدق فوراً ما رأته عيونهم ونطقت به شفاههم.
سنتعلم في “أد الدنيا” بأن السوق الصاعد بالأسعار إلي السماء هو نعمة وليس نقمة، فما لا تطوله جيوبك القارغة ليس مكتوباً لك وإلا لكان الله سبحانه وضعه في صحيفتك الأزلية، فلا تندم علي حسن تراه مكروهاً، واشكر برحابة صدر حكومتك التي لا تتوقف عن الاجتماعات والمشاورات لـ”ضبط” السوق المنفلتة وإيداعها سجن العقرب شديد الحراسة.
سنتعلم أن الغلاء يعني الرزق الوفير، وأن الديون خير، فالسلف ليس تلفاً كما علموك، والمشاريع الخاسرة ليست فشلاً لأن العبرة بساعات العمل الطويلة وليس بتحقيق نتائج إيجابية، كما يجب أن تضع في اعتبارك “إن الفلوس مش كل حاجة”، وأن مجرد وجودك في منزلك آمناً بلا طعام أو دواء أو غطاء يقيك من مستقبل مجهول، هو أمر محمود يستحق مرة ثانية بذل الكثير من الثناء والتصفيق للنظام الحاكم الذي أماتنا جوعاً لكنه وقانا من شر الموت في المخيمات.
سنتعلم أن مخاوفنا من تعديل الدستور هلامية وبلهاء، فالتصريحات التي جاءت على ألسنة كهنة النظام بعد ساعات من نهاية الانتخابات عن حتمية تعديل الدستور لإطالة سنوات حكم الرئيس لا تعني بالضرورة تعديله، وبفرض تم تعديله لتحقيق هدف بقاء الرئيس لسنوات عديدة مديدة، فلا تصدق ما تردده “قوى الشر” عن نزعات النظام الحالي للانفراد بالسلطة المطلقة والأبدية، ورجاء أن تصدق “قوي الخير” التي أقسمت بأنها لا تُدمن الحكم ولا تحبه ولا تسعى إليه، ونصيحتي أن تصدق بإرادتك ما يقولونه وإلا جعلوك تصدق بوسائلهم الخاصة.
الآن، تعلمنا وأدركنا ووثقنا أنه وجب علينا في “أد الدنيا” أن نفرح بلا نهاية، وأن نرقص بلا خجل، وأن نصدق بلا تردد، وأن نصفق بلا توقف، وأن ننسى مخاوفنا من واقع ومستقبل بدت ملامحهما، بحسب البديهيات والمسلمات، غامضة ومُخيفة، فما تعلمناه هنا بأن الثابت لم يعد ثابتاً، بل متغير حسب الأهواء والمصالح والنفوذ.. أهم ما تعلمناه حقاً هو “إن مصر بتفرح” رغم آلام المعيشة والقهر، ومصر التي نقصد هنا ليست الشعب والناس، لكن هي الفتاة الجميلة التي ترتدي العلم الملون.. “حد ليه شوق في حاجة”!
The post “الانتخابات نائمة”.. لعن الله من أيقظها appeared first on البديل.
ليست هناك تعليقات