البديل
اقرأ| «ثورة الزنج العربية».. عندما عاث الترك فسادًا
يحوي التاريخ بين صفحاته العديد من الأحداث التي لم يسلط عليها الضوء بسبب قلة المصادر التاريخية حولها، ومنها “ثورة الزنج العربية”، التي قادها علي بن محمد، حد رجال الخليفة المنتصر؛ للتخلص من سيطرة الأتراك على مفاصل الدولة العباسية التي وصلت وقتها إلى مرحلة أنها كانت مجرد ستار من خلاله يستطيع الترك السلب والنهب والقتل في الدولة، معتمدين على تكتلهم القوي داخل الجيش العباسي.
الترك في الجيش العباسي
الدكتور محمد عمارة، سرد القصة في كتابه “مسلمون ثوار”، قائلا إن ثورة الزنج العربية واحدة من الثورات التي لا يوجد عنها مصادر تاريخية كثيرة، فقد وقعت الدولة العباسية أسيرة في غلال القمع بعدما لجأ الخليفة العباسي المعتصم إلى الاعتماد على عنصر القوة العسكرية من المماليك والترك للتصدي للقلائل والسخط والغضب المتوقع من الشعب، لكن تضخم هذه القوة العسكرية الكبيرة نتج عنها أن أصبحت مصدر ثقل وقوة ومصدر توجيه وأصبحت الخلافة لعبة في أيديهم يولون من أطاع ويعزلون من عصى ويسجنون أويقتلون من تمرد عليهم.
وبعدما استولى المتوكل على السلطة عقب وفاة الخليفة الواثق، حيث شهدت فترة حكمه وصول الترك والمماليك إلى أقصى درجة من السيطرة على مفاصل الدولة والاستئثار بمواردها المالية حتى أنهم قتلوا المتوكل ومن وقتها أصبح منصب الخلافة مباحا لهم يولون ويعزلون من يريدون، بل لجأوا إلى القتل والسجن لمن غضبوا عليه من الخلفاء، ومع بزوغ نجم المنتصر بالله، أدرك الأخير أنه لاستراد سلطة الخليفة لابد من انتزاعها من قبضة قادة الأتراك العسكريين فبدأ بالتقرب إلى طوائف الشعب المختلفة وانتهج العدل والانصاف، لكن الأتراك عاجلوه وقتلوه، وفرق الأتراك حاشية الخليفة التي كان منها علي بن محمد، الذي سيقود ثورة الزنج فيما بعد.
علي بن محمد
مع استفحال قوة الترك في الحكم ووصلهم إلى درجة كبيرة من الديكتاتورية في كل شيء، بدأت الثورات تجتاح أروقة الخلافة؛ فقد اندلعت الثورة في الكوفة ثم طبرستان والري وغيرها، وفي هذه الفترة، قامت ثورة الزنج بزعامة علي بن محمد؛ أحد رجال المنتصر الذي سجن بعد مقتل المنتصر، ثم خرج من السجن وأصبح خطرا فعليا على الخلافة العباسية أو بالأحرى الدولة التركية العسكرية الحاكمة تحت عباءة الخلافاء العباسيين.
المعلومات المتاحة عن علي بن محمد قليلة؛ فنسبه يمتد إلى الصحابي علي بن أبي طالب، نشأ في قرية ورزنين في شمال إيران، عمل في فترة من حياته معلما للأطفال بعد وفاة الخليفة المنتصر، اشترك مع فرقة من الجند هو “الجند الشاكرية” للتمرد ضد الأتراك الذين استولوا على مقدرات الخليفة والخلافة ليبدأ بعد خروجه من السجن ومن مدينة البحرين رحلة الدعوة إلى الثورة ضد الأتراك.
ثورة الزنج
اتخذ الثوار من اللون الأبيض علامة لثورتهم، فمن المعروف أن العباسيين اشتهروا باللون الأسود، وكتب الثوار على رايتهم البيضاء الآية القرآنية “إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله”، وكتبوا على الراية اسم علي بن محمد، واتخذوا من اللون الأبيض ثيابا لهم، وبسبب ارتفاع حجم العنصر البشري الزنجي في هذه الثورة من عامة وقادة ومقاتلين، أطلقوا عليها لقب “ثورة الزنج”، الأمر الذي دفع البعض إلى الاعتقاد بأنها ثورة عنصرية ضد العرب.
من ادعى ذلك لم يدركوا حقيقة الأمر، وإن اتفقنا معهم على ماقالوه، فهذا لن ينقص من قيمتها شيء، إلا أن حقيقتها أنها ثورة قام بها عرب مسلمون زنوج وغيرهم، فعلي بن محمد بدأ بالدعوة إلى الثورة في وقت كانت فيها الدولة العباسية دولة أتراك وأعاجم يستترون تحت عباءة الخلافة للنهب والقتل والظلم، بدأ دعوته من مدينة هجر في البحرين، ومنها إلى الأحساء فلاقت دعوته استجابة من الناس، وقاتلوا معه، لكنهم هزموا عند “الردم” في البحرين، وفي البصرة طاردت الدولة أتباعه فسجن ابنه وزجته وابنته، ليحدث وقتها فتن بين الجند ويطلق على إثرها اتباعه من السجون.
وبعد هذه الأحداث التي استمرت 7 سنوات، التحق ريحان بن صالح بالثورة، وهو أول زنجي ينخرط في الثورة، ومن هنا بدأ علي بن محمد في توجيه دعوته للعبيد من الزنوج، حيث لاقى استجابة كبيرة منهم نظرا لظروفهم المعيشية والاقتصاية البائسة التي كانوا يعيشون فيها، وحاولت الدولة وقتها أن تقتل هذه الثورة في بدايتها؛ فعرضت على علي بن محمد أن تكف الدولة عن مطاردتهم مقابل أن يرد العبيد إلى سادتهم وعلى كل رأس 5 دنانير لكنه رفض، في الجيش كان هناك فرق وحاميات من الزنوج نسبة كبيرة منها انسلخت عن الجيش وانضمت للثورة واستطاعت جيوش الثورة أن تلحق العديد من الهزائم بجيش الدولة والسلطة وأنشأت الثورة عاصمة لها اسمتها “المختارة” حصنتها بما غنمته من أسلحة وامتدت رقعت الدولة في العراق والخليج وفارس.
السقوط والنهاية
استمرت ثورة ودولة الزنج قائمة من عام 863م حتى عام 883، فبعد أن تولى المعتمد الخلافة، سخر كل موارد الدولة لهدف واحد فقط هو القضاء على هذه الدولة الناشئة حتى أنه وضع سلطة البلاد الفعلية في يد ابن اخيه، أحمد بن الموفق، الذي بنى عاصمة له أطلق عليها الموفقية قرب عاصمة الزنج المختارة حتى يشن منها حملاته العسكرية، وخاطب جميع الأمصار الإسلامية بأن يرسلوا له الأموال المفروضة عليهم إلى عاصمته وليس عاصمة الخلافة.
ودارت بين الفريقين معارك حامية كانت يومية ولا تتوقف، فنجحت الدولة العباسية في انتزاع مدينة المنيعة ثاني مدن دولة الزنوج القوية وضربوا حصارا حول مدينة المختارة، عاصمة الدولة، واستمر الحصار مايقرب من 4 سنوات، كانت المعارك فيها لا تتوقف، ثم بدأت الدولة العباسية تتخذ أسلوبا آخر لإغراء من يريد الفرار من الزنوج؛ فكانت تطعمهم وتكسيهم ثم تستعرضهم أمام المدينة المحاصرة حتى تغريهم بالفرار.
وفي 18 مايو 883، بدأ الجيش العباسي في غزو عاصمة الزنوج المختارة، ودار القتال في كل ركن من أركانها، فانهارت قواهم وهرب علي بن محمد، وبعدما انسحب الجيش العباسي إلى الموفقية، عاد علي بن محمد من جديد فهاجمه الجيش العباسي من جديد، وكانت المعركة النهائية، وفيها قتل علي بن محمد وجزت رأسه وأرسلت إلى الدولة العباسية ومعه انتهت قصة ثورة الزنوج العربية.
The post اقرأ| «ثورة الزنج العربية».. عندما عاث الترك فسادًا appeared first on البديل.
ليست هناك تعليقات