الأربعاء، 23 أغسطس 2017

«تكتيك القضم» يحرر وَسَط سوريا

البديل
«تكتيك القضم» يحرر وَسَط سوريا

في مرحلة هامة وفارقة من الحرب السورية بدأت ببدايات الصيف الماضي، أطلق الجيش العربي السوري سلسلة من العمليات الحربية استهدفت تطهير أراضيه من احتلال داعش، التي كانت تسيطر على قطاعات بالغة الاتساع من البادية السورية وصولا إلى أطراف محافظة ريف دمشق، بالإضافة إلى سيطرتها على كامل الظهير الصحراوي لمحافظة حمص، المتصل بالعراق حيث منطقة سيطرتها، أيضا، في صحراء الأنبار المتاخمة لسوريا.

حملت وقائع الشهور الماضية العديد من الضرورات التي أدت إلى أولوية القضاء على داعش في سوريا، أبرزها كانت الضرورة السياسية من ناحية الإنزال العسكري الأمريكي في البادية السورية، انطلاقا من الأردن، تمهيدا لمشروع أمريكي لوضع نقاط ارتكاز هناك بدعوى محاربة داعش تحت مظلة “التحالف الدولي”، وبهدف حقيقي واضح هو تثبيت مساحة من الحضور العسكري مشتركة مع من تسميهم أمريكا “المعارضة المعتدلة”، تقطع الاتصال الجغرافي بين العراق وسوريا، وتشكّل رصيدا سياسيا غربيا يكفل الضغط على الدولتين العراقية والسورية، وتكون بمثابة “خميرة” على الطريقة الأمريكية قابلة للتمدد بل وقادرة على حيازة سيطرة ونفوذ في سوريا ما بعد انتهاء الحرب، حيث يدفع الغرب وغيره من الأطراف نحو إشراك المعارضة المعتدلة، الإرهابية في الحقيقة، في بِنية السلطة في سوريا كعامود رئيسي للحل السياسي.

للتعامل مع الموقف العسكري الصعب والضاغط على مستوى التوقيت، استخدم الجيش العربي السوري التكتيك العسكري الذي أبدعه تدريجيا منذ بداية الهجوم المضاد الكبير له لتحرير الأرض من احتلال الإرهاب، والذي عمل على تطويره بتراكم الوقت والخبرات الميدانية وصولا إلى اعتماده في أغلب العمليات القتالية في الحرب السورية، يقوم تكتيك (القضم والمحاصرة في جيوب) على قطع خطوط إمداد المجموعات المعادية التي تغذّيها حيث ترتكز، ووضع نقاط ارتكاز هجومية حول منطقة العدو وعلى تخومها ينطلق منها هجوم فردي أو مزدوج، أي من ناحية واحدة أو ناحيتين، ثم تصميم الهجوم جغرافيا بحيث يكفل تجزئة الجبهة الواحدة المتّسعة إلى جبهات أصغر، أي قطع أوصالها، من خلال مناورات هجومية تكفل الالتفاف التدريجي والتراكمي حول مناطق سيطرة العدو، وصولا إلى خلق جيب جغرافي صغير من الجبهة الواحدة الكبيرة أو تفتيت تلك الجبهة إلى جيبين جغرافيين صغيرين، ويتم تضييق الخناق بالحصار الناري الكثيف على الجيب المحاصَر والعمل على تصفيته، مع إبقاء قدر من السيطرة النارية والضغط على باقي الجبهة، أو الجيب الآخر.

بالمقارنة بين الخريطتين بالأعلى وتركيزا على القطاعات المرقّمة من 1 إلى 5، استطاع الجيش العربي السوري تقسيم القطاع رقم 5 الواقع في ريف حماة الشرقي وريف حمص الشرقي، شمال غرب تدمر، إلى جزئين، الأمر الذي كفل بدوره حصر القطاع رقم 4 الواقع في شرق السلمية بريف حماة الشرقي ومركزه بلدة عقيربات، وتطويقه بالكامل تمهيدا لتصفيته الواقعة حاليا، من ناحية أخرى تمكن من التقدم في القطاع رقم 1 والسيطرة على أغلبه باندفاعة كبرى انطلقت من جنوب شرق حلب منذ أشهر، ثم أوقف تلك الاندفاعة المتوجهة إلى دير الزور لتتجه القوات جنوبا وتصّب في تقسيم القطاع رقم 3، الأمر الذي مثّل عملية خداعية إذ ترقبت داعش أن تتجه الاندفاعة شرقا نحو دير الزور بشكل مباشر كما هو اتجاهها الأول والثابت، وفي هذه اللحظات يشرع الجيش العربي السوري بالفعل في إغلاق الجيب الثاني تماما من خلال الاندفاع من ناحيتين، من ريف الرقة الجنوبي، القطاع رقم 1، نحو الجنوب حيث السخنة في ريف حمص الشرقي، ومن الاتجاه المعاكس أي من السخنة جنوبا نحو الشمال، ليتشكّل جيب ثان إلى جوار جيب عقيربات هو جيب شمال تدمر تمهيدا لتصفيته بدوره.

يكفل تكتيك القضم التعامل مع المساحات مترامية الأطراف وبالغة الاتساع ولا سيما في المناطق الريفية، والصحراوية ذات الطوبوغرافيا الصعبة والقاحلة، كما يفيد التكتيك من الإسناد الناري الجوي ويلعب فيه سلاح الجو دورا هاما بخصوص قطع خطوط الإمدادات، وهي مرحلة فائقة الأهمية لوقف أي تقدم مرغوب ومخَطط من العدو وشل حركته وتقليل خياراته القتالية إلى الحد الأدنى.

 الجدير بالذكر أنه تم استخدام ذلك التكتيك في مواجهة الفصائل الإرهابية المصنوعة أمريكيا في جنوب شرق سوريا وأثمر بالفعل عن نتيجتين فائقتي الأهمية، أولاهما تأمين المحيط القريب لمحافظتي دمشق وريف دمشق وحصر تواجد تلك المجموعات في منطقة صحراوية قاحلة بلا قدرة على التقدم، والثانية عزل الإرهابيين عن دير الزور المحتلة من داعش والواقعة نحو الشمال الشرقي، لإسقاط مبرر أمريكا لتواجد قواتها ميدانيا على الأرض في سوريا وتدريبها للمزيد من الإرهابيين تحت عنوان محاربة داعش.

The post «تكتيك القضم» يحرر وَسَط سوريا appeared first on البديل.


ليست هناك تعليقات

جميع الحقوق محفوظة لــ مدونة عربي التعليمية 2015 ©