البديل
38 عامًا على زرع الكيان الصهيوني في قلب القاهرة
تحل الذكرى الثامنة والثلاثون لتأسيس سفارة الكيان الصهيوني في قلب القاهرة وتحديدًا في محافظة الجيزة اليوم، وتعد مصر أول دول عربية في المنطقة تعترف رسميًا بإسرائيل، بعد توقيع الرئيس الراحل أنور السادات معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل بعد 16 شهرًا من زيارة تل أبيب عام 1977 إثر مفاوضات مكثفة.
وجاءت أبرز بنود المعاهدة؛ الاعتراف المتبادل، ووقف حالة الحرب التي كانت قائمة منذ حرب فلسطين عام 1948، وتطبيع العلاقات، وسحب إسرائيل الكامل لقواتها المسلحة والمدنيين من شبه جزيرة سيناء التي احتلتها خلال أحداث يونيو 1967.
بداية التطبيع الدبلوماسي مع الكيان الصهيوني، كانت في 18 فبراير عام 1980، عندما أعلنت مصر رسميًا إقامة السفارة الإسرائيلية بالقاهرة، وتم تبادل السفراء، وخلال الشهر ذاته، ألغى البرلمان المصري قوانين وتشريعات كانت تقضي بمقاطعة إسرائيل ونشطت حركة التجارة بين الجانبين، وفي مارس 1980، تم تدشين رحلات جوية منتظمة وعادت العلاقات الاقتصادية تتشكل أكثر بين النظامين المصري والإسرائيلي، رغم الغضب الشعبي الساكن داخل الشارع العربي.
وبدأت مصر بإمداد إسرائيل بالغاز الطبيعي، في ظل معارضة شديدة من الشارع وجدل كبير في أنحاء متفرقة من الوطن العربي وإدانات واسعة وصلت إلى حد وصفها بأنها طعنة في قلب العروبة وكان الشعور بالغضب قويًا بوجه خاص بين الفلسطينيين، وأعلن الرئيس الفلسطيني الراحل، ياسر عرفات، اعتراضه على اتفاقية كامب ديفيد بقوله «دعهم يوقعون ما يحلوا لهم، فالسلام المزيف لن يدوم».
لسنوات طويلة، ظل العلم الإسرائيلي يرفرف فوق مبنى السفارة الإسرائيلية الواقعة أمام حديقة الحيوان حتى قيام ثورة 25 يناير 2011 ووجود منزل سفير الكيان الصهيوني على بعد أمتار من مقر السفارة، ما كان يخلق أزمة كبيرة للسكان المجاورين، الأمر الذي دفع عددا كبيرا من المواطنين لاقتحام مقر السفارة في التاسع من سبتمبر من العام ذاته، أثناء تظاهرات جمعة «تصحيح المسار»، بعدما أقامت السلطات المصرية جدارا خرسانيا مسلحا عند مدخل السفارة، ما أغضب جموع المواطنين المشاركين في التظاهرات ودخلوا في اشتباكات حادة مع قوات الأمن، قتل على إثرها 3 أشخاص وأصيب مئات آخرون.
وقتها، اقتحم عشرات الشباب مقر السفارة بعدما أنزلوا العلم الإسرائيلي، ورفع الشاب أحمد الشحات، العلم المصري بدلًا منه وألقوا بجميع الأوراق والمستندات الموجودة بمكاتب السفارة من الشرفة بالدور الـ19، إلى الشارع.
وتصدرت صورة الشحات الصفحات الأولى من الصحف الإسرائيلية في اقتحامه للسفارة الإسرائيلية بالجيزة وإزاحته العلم الصهيوني وسط تكبيرات واحتفالات المواطنين فوق كوبري الجامعة، ونقلت صور له محمولا فوق الأعناق بعد نزوله من العمارة وهم يهتفون ببطلان اتفاقية السلام مع إسرائيل وطرد سفيرها من القاهرة.
في سياق متصل، أقام عدد كبير من المحامين أكثر من 7 دعاوى قضائية طالبوا فيها بقطع العلاقات مع تل أبيب وطرد السفير الإسرائيلي، وكان من بينها دعوى قضائية تقدم بها المحامي عبد المقتدر محمد حملت رقم 51033، طالب فيها بإغلاق السفارة الإسرائيلية بمصر بعد الاعتداءات المسلحة على الجنود المصريين على الحدود المصرية الإسرائيلية بالعريش التي أدت إلى قتل عدد منهم.
ومن جانبه، دعا حزب التحالف الشعبي الاشتراكي والأحزاب الناصرية وعدد من القوى السياسية والحزبية إلى ضرورة إغلاق السفارة الإسرائيلية بالقاهرة، مطالبين السلطات المصرية بطرد السفير الإسرائيلي من القاهرة ونظموا عددا من الفعاليات التضامنية مع الشعب الفلسطيني.
وقالت «إذاعة صوت إسرائيل»، إن متظاهرين هدموا السور العازل الذي بنته السلطات المصرية حديثا حول السفارة الإسرائيلية في القاهرة، وأنزل أحدهم العلم الإسرائيلي وتم تمزيقه، مشيرًة إلى أنها المرة الثانية، في غضون ثلاثة أسابيع، يتم فيها إنزال العلم الإسرائيلي من على مقر السفارة الإسرائيلية في القاهرة.
في المقابل، تحدت السلطات الغضب الشعبي وأعادت فتح السفارة الإسرائيلية يوم التاسع من سبتمبر عام 2015 ورفع علم الاحتلال من جديد، بحضور مدير عام الخارجية الإسرائيلية ونائب رئيس البروتوكول في الخارجية المصرية والسفير الأمريكي لدى مصر وموظفي السفارة الإسرائيلية، وصدر بيان رسمي عن السفارة جاء فيه: «باسم إسرائيل حكومة وشعبًا تحب أن تشكر الحكومة المصرية على المساعدات التي قدمتها لدولة إسرائيل لخمد الحرائق التي نشبت في البلاد ونؤكد دائما وأبدا أن التعاون المستمر يبني الشعوب وأن الصديق دائما وقت الضيق».
وقبل أسابيع، نشرت صحيفة «يديعوت احرونوت» تقريرًا عن التخوفات من عودة العمل لطبيعته داخل السفارة التي لم تجدد حتى الآن عقود العمل للموظفين المصريين الذين كانوا يعملون في السفارة ويصل عددهم إلى 30 موظفا، كما لم يتم تجديد عقد استئجار مقر السفارة القائم في حي المعادي منذ أربعة أشهر، وألغت السفارة برنامج الحفل الذي كانت تعتزم إقامته نهاية الشهر الحالي بمناسبة ذكرى تأسيس إسرائيل والاحتفال بتأسيس أول سفارة لها في الوطن العربي.
«المشهد مأساوي».. عبارة لخص بها الدكتور جمال زهران، أستاذ العلوم السياسية بجامعة قناة السويس، الصورة العامة لاستمرار الرفض الشعبي لوجود السفارة الإسرائيلية في قلب القاهرة، واصفًا إياها بالمسمار الذي يضرب في قلب العرب حتى لا يحققوا الوحدة العربية، حيث ترتمي إسرائيل في أحضان السلطتين المصرية والأردنية مع توسعات أخرى في المنطقة؛ شملت المملكة العربية السعودية والإمارات والبحرين وقطر بطبيعة الحال.
زهران أكد لـ”البديل”، أن البداية كانت في نهاية السبعينات بـ«اتفاقية العار»، بحسب وصفه، والتي تركت الدولة مكبلة بالتحالفات المستديمة واتفاقيات التطبيع مع الكيان الصهيوني واختيار الرئيس المخلوع حسني مبارك، عقب اغتيال سالفه أنور السادات لتنفيذ ذلك، لكن ثورة 25 يناير كان لها رأيًا مغايرًا، حيث قررت غلق سفارة الكيان الصهيوني بالقاهرة وطرد السفير الإسرائيلي دون رجعة وكانت الإرادة الشعبية أقوى من التطبيع السياسي.
وتابع زهران أن الإرادة الشعبية القوية، أفصحت عن نفسها بإسقاط العلم الإسرائيلي من على مبنى المعادي، ومنذ وقتها، ولا تزال أعمال السفارة معلقة ومغلقة بسبب الغضب الشعبي المصري والعربي لوجودها داخل الأراضي العربية.
وأكد زهران أن ضريبة التطبيع والمعاملات التجارية مع الكيان الصهيوني خلال الثلاثين عامًا لم تتجاوز الثلاثين مليون دولار، زادت بعد توقيع اتفاقية الكويز بين مصر والولايات المتحدة الأمريكية إلى 100 مليون دولار، وتدخلت إسرائيل بشكل غير مباشر في الاتفاقية التي اشترطت على السلطات زيادة حجم الصادرات المصرية لأمريكا مع زيادة حجم الاتفاقات والعلاقات مع إسرائيل، ورغم ذلك، لم تتخط الفاتورة 100 مليون دولار.
ومنذ أغلقت السفارة الإسرائيلية بالقاهرة من قبل ثوار 25 يناير وحتى الآن، رغم إعادتها إلى العمل في سبتمبر 2015، إلا أنها لم تعد إلى العمل مرة أخرى في ذات المكان بالقرب من كوبري الجامعة، لكنهم يعملون حاليًا من داخل منزل السفير الإسرائيلي والسفارة الأمريكية بالقاهرة التي خصصت مكتب للسفير الإسرائيلي هناك نتيجة رفض الشارع المصري والعربي فكرة التطبيع مع الكيان الصهيوني، حيث تفتقد إسرائيل إلى الشرعية الشعبية وإن كانت تتمتع بالشرعية السياسية والشكل القانوني منذ اتفاقية كامب ديفيد.
The post 38 عامًا على زرع الكيان الصهيوني في قلب القاهرة appeared first on البديل.
ليست هناك تعليقات