البديل
تجميد “ضرائب الكنيسة”.. انتصار فلسطيني أم مراوغة صهيونية؟
انتصرت الكنائس الفلسطينية في معركتها ضد الاحتلال الصهيوني؛ فبعد ثلاثة أيام متتالية من إغلاق أكبر وأهم المقدسات المسيحية في الأراضي المحتلة والعالم، عادت كنيسة القيامة لتفتح أبوابها من جديد أمام زوارها، بعدما اتخذ الاحتلال قرارًا سريعًا بالتراجع عن فرض ضرائب على الممتلكات المسيحية، لكن التراجع غير المعتاد بالنسبة للكيان الذي يتعامل مع مثل هذه الأزمات بعنجهية وتعنت، أثار العديد من التساؤلات، حول كون إسرائيل تحاشت الغضب الأوروبي والفلسطيني أم أن مسألة الضرائب من بدايتها، مسرحية هزلية تم تأليفها وإخراجها لهدف معين، وما إن تحقق الهدف انتهت الأزمة المفتعلة.
تراجع صهيوني
أعلنت سلطات العدو الإسرائيلي مساء أمس الثلاثاء، تجميد العمل بقرار فرض الضرائب على الكنائس في القدس المحتلة، باتفاق بين رئيس حكومة العدو، بنيامين نتنياهو، ورئيس بلدية الاحتلال في القدس، نير بركات، وقالت القناة السابعة العبرية إنه “تم الاتفاق على تشكيل لجنة خاصة لصياغة حلّ للمسألة”، وأشارت إلى أن “وزير الشؤون الإقليمية الإسرائيلي تساحي هنغبي، إلى جانب ممثلين عن وزارات المالية والشؤون الخارجية والداخلية وبلدية القدس، سيشاركون في اللجنة التي ستتفاوض مع ممثلي الكنائس لحل القضية”، ولفتت إلى أنه “سيتم وضع خطوط عريضة لحلّ مسألة الضرائب الخاصّة بالبلدية”.
احتفالات فلسطينية
ابتهاجًا بالقرار الصهيوني، احتشد المئات من أبناء الشعب الفلسطيني للمشاركة في مسيرات جماهيرية جابت أحياء مدينة القدس المحتلة، وتحديدًا في أروقة البلدة القديمة القريبة من كنيسة القيامة، حيث هتف المئات منددين بالهجمة التي يشنها الاحتلال ضد أملاك الكنائس المختلفة الموجودة في القدس القديمة ومحيطها، وكذلك ضد وضع اليد وتجميد أرصدة الكنائس الموجودة لدى المصارف الإسرائيلية.
في الوقت نفسه، قرر رؤساء الكنائس في القدس إعادةَ فتح كنيسة القيامة، اعتبارًا من اليوم الأربعاء، بعد إغلاق غير مسبوق استمر ثلاثةَ أيام، حيث أعلن بيان لرؤساء الكنائس أمس الثلاثاء: “نعلن أن كنيسة القبر المقدس القيامة، سوف يُعاد فتحها أمام الحجاج غدًا الساعة الرابعة صباحًا”، الأمر الذي دفع المئات من الحجاج المسيحيين إلى الكنيسة المقدسة، حيث هرع المئات عند إعادة فتح أبوابها صباح اليوم الباكر، وسجدوا على ركبهم وهم يؤدون الصلاة وسط النحيب والدموع، فيما هرع أيضًا مئات الصحفيين إلى داخل الكنيسة، وأعاد حراس الضريح فتح الطريق أمام الحجاج إلى أماكن صلب ودفن وقيامة المسيح، وفق المعتقدات المسيحية.
تبييض صفحة ثيوفيليوس الثالث
الكثير من المراقبين رأوا في القرار الصهيوني بفرض الضرائب على ممتلكات الكنيسة ثم التراجع وتعليقها بعد أقل من 70 ساعة، مناورة ومراوغة من كيان الاحتلال لها أهداف، ومخطط مدروس بعناية وتم تنفيذه بحرفية لإقناع المجتمع الدولي بشيء معين، وما أن اقتنع بالهدف انتفى القرار، حيث رأوا أن قرار الاحتلال الصهيوني فرض ضرائب على الكنيسة صبّ في مصلحة بطريرك القدس وسائر أعمال فلسطين والأردن، ثيوفيليوس الثالث، الذي أصبح صاحب صيت سيئ في المجتمع الفلسطيني، على خلفية الصفقات التي عقدها مع الاحتلال الصهيوني لبيع ممتلكات الكنيسة للعدو.
وكان آخر الصفقات؛ بيع “جبل المشورة الفاسدة” لإنشاء مستوطنة تضم وحدات سكنية فخمة، فوق موقع تاريخي ذي أهمية كبيرة بالنسبة للمسيحيين والمسلمين، حيث من المفترض أن تقع المستوطنة الجديدة فوق تلة بالقرب من بلدة الطور في مدينة القدس المحتلة، الأمر الذي دفع الاحتلال إلى تخفيف الضغوط عن حليفة بائع الأرض والدين، وإيجاد مخرج له لتبييض صفحته وتحسين صورته أمام الفلسطينيين عامة والمسيحيين على وجه التحديد، وإظهاره بمظهر البطل المدافع عن المقدسات المسيحية وأملاك الكنيسة، خاصة بعدما خرجت مظاهرات مؤخرًا ضد البطريرك ثيوفيليوس الثالث، وطالب كثيرون بمحاكمته.
نزع فتيل القنبلة
في المقابل، رأى آخرون أن التراجع الإسرائيلي السريع عن قرار فرض الضرائب على الممتلكات المسيحية، جاء تحاشيًا لإثارة المزيد من الغضب الفلسطيني الداخلي، لاسيما أنه يتزامن مع غضب الشارع الفلسطيني على خلفية قرار الإدارة الأمريكية نقل سفارتها إلى مدينة القدس في 14 مايو المقبل، وما قبله من قرار الاعتراف بالقدس عاصمة للاحتلال الإسرائيلي، ناهيك عن قوانين الاحتلال وإجراءاته التعسفية المجحفة بحق الأسرى والشهداء وحملات الاعتقال، الأمر الذي جعل النفوس الفلسطينية تفيض بغضب عارم.
وحذر العديد من المسؤولين الصهاينة من الغضب الفلسطيني، واصفين الأراضي الفلسطينية بأنها باتت على فوهة بركان قد يثور في أي وقت ليأكل الأخضر واليابس، الأمر الذي دفع الاحتلال إلى سحب قراره الذي كاد أن يُشعل المزيد من التوترات، خاصة أن ممثلي الكنائس الفلسطينية سبق أن هددوا باتخاذ سلسلة من الإجراءات الدبلوماسية لفضح ممارسات الاحتلال في دول العالم، ناهيك عن الخطوات الميدانية على الأرض، والتي تشمل تنظيم تظاهرات ضد الاحتلال، وهو ما أثار قلق الكيان المحتل من أن يتحد ممثلو الكنائس ومسيحو فلسطين مع فصائل المقاومة الفلسطينية التي أعلنت تضامنها مع الطائفة المسيحية ضد الاحتلال.
تحاشيًا للغضب الأوروبي
وفي السياق، رجح بعض المراقبين أن يكون هناك وساطة أوروبية دفعت كيان العدو إلى سحب قراره فورًا، حيث تحتاج إسرائيل للدعم الأوروبي في انتهاكاتها ضد الشعب الفلسطيني، الأمر الذي يدفعها إلى التراجع تحاشيًا لغضب أوروبي عارم قد يجعلها تدفع جزءا كبيرا من فاتورة حساب قديم، خاصة أن بعض الدول الأوروبية أبدت انزعاجها مؤخرًا من التهور الصهيوني والإجراءات المتلاحقة العدوانية بحق الكنائس هناك، وهو ما ظهر خلال انعقاد اجتماع لوزراء خارجية الاتحاد الأوروبي، و6 وزراء خارجية عرب، والأمين العام لجامعة الدول العربية، الاثنين الماضي في بروكسيل، حيث حذر وزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبي في بيان موحد عقب الاجتماع من “مخاطر خطوات غير محسوبة في معالجة الصراع الفلسطيني الصهيوني”، مشيرين إلى أنها يمكن أن تضفي على هذا الصراع السياسي بعدًا دينيًا.
في الوقت نفسه، قالت رئيسة الدبلوماسية الأوروبية، فيديريكا موغيريني: “نحن وزراء الاتحاد الأوروبي والجامعة العربية نتشاطر القلق العام من أن أي خطوات غير محسوبة في عملية السلام بالشرق الأوسط، وخاصة في القدس، حيث نجد مدى حساسية البعد الديني، التي من شأنها أن تعزز الآراء الراديكالية وتمنع التعايش السلمي والآمن لمن يريده، وتحويل الصراع من السياسي إلى الديني، وحينها سنواجه مشكلة أضخم بكثير من تلك التي نواجهها اليوم”، وأضافت أن الوزراء الأوروبيين والعرب يتشاركون أيضًا مستوى فهم الأمور ومعرفة المنطقة والعلاقات مع شركاء مختلفين في المنطقة، بما فيها الأطراف المتنازعة، الأمر الذي لا يجوز الاستخفاف به، فيما انتقدت الممثلة العليا للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية، قرار السلطات الإسرائيلية فرض ضرائب على الممتلكات الكنسية في مدينة القدس، وقالت موغريني: “نأمل إيجاد حل لهذه المسألة بأقرب وقت، فالقدس مدينة مقدسة للأديان الثلاثة، وينبغي على الجميع احترام هذه الميزة الخاصة للمدينة”.
The post تجميد “ضرائب الكنيسة”.. انتصار فلسطيني أم مراوغة صهيونية؟ appeared first on البديل.
ليست هناك تعليقات