البديل
المغرب بين طموحات الاستثمارات وفقه الأولويات
نشر موقع “ميدل إيست آي” تقريرًا أعده الصحفي كيران كوك حول طموحات المغرب الاستثمارية في مشروعات عملاقة هامة، لكنها غير ذات صلة بما تحتاج إليه البلاد حقًّا من استثمار عاجل في البنية التحتية وضمان الخدمات الأساسية من أجل سد الفجوة الاجتماعية.
مشاريع عملاقة
وأشار التقرير إلى أن المغرب في عجلة من أمره. ففي مدينة ورزازات في الجنوب الشرقي من مدينة مراكش على حافة الصحراء الكبرى ، بدأ العمل في أكبر مشروع لتوليد الطاقة الشمسية في العالم، بحجم 200 ملعب كرة قدم.
وفي ضواحي مدينة الرباط عاصمة البلاد، يتم وضع أساس ما يدعي مؤيدوه أنه سيكون أطول مبنى في إفريقيا.
وهذا الصيف سيبدأ العمل فيما سيكون أول قطارات فائقة السرعة في إفريقيا على طول الساحل بين الدار البيضاء، المركز الاقتصادي للمغرب، وطنجة. ويجري تجديد المحطات على طول الطريق لاستيعاب هذه القطارات فرنسية الصنع.
لكن وراء كل هذه المشاريع الضخمة تكمن المشاكل. يقول الناشط الحقوقي في الرباط سليم، والذي لم يرغب في الكشف عن اسمه بالكامل: “بدلاً من كل هذه المخططات العملاقة، ما نحتاجه حقًّا هو تطوير البنية التحتية الأساسية”.
وأضاف سليم: “كل هذه الصفقات التي تقدر بملايين الدولارات ترتبط بطريقة أو بأخرى بطبقة النخبة والعائلة المالكة. فبدلاً من القطارات الفائقة السرعة التي لن يركبها أبدًا الفقراء، لماذا لا نبني المزيد من المدارس والمستشفيات؟ ما يريده الناس هو الأساسيات مثل الماء”، موضحًا أنه في الوقت الذي تحدث فيه هذه المشاريع العملاقة، تجد أنابيب المياه في جميع أنحاء البلاد تعاني من كسر وتسريب”.
ويوضح تقرير “ميدل إيست آي” أن قضية المياه هي إحدى القضايا الحاسمة في المغرب، التي تعتبر إلى جانب الدول المجاورة لها في شمال إفريقيا وبلدان الشرق الأوسط، جزءًا من أكثر المناطق استنزافًا للمياه في العالم.
أدت موجات الجفاف الحادة التي ضربت البلاد في السنوات الأخيرة إلى إلحاق أضرار جسيمة بقطاعها الزراعي، الذي يمثل 15% من الناتج المحلي الإجمالي، ويعمل به 40% من القوة العاملة.
وفي مرحلة من المراحل أصدر الملك محمد السادس مرسومًا يدعو الناس في المساجد في جميع أنحاء البلاد للصلاة من أجل المطر. وقد أثار الجفاف اضطرابات اجتماعية عديدة، فاندلعت الاحتجاجات على ما كان يعتبر تقاعسًا حكوميًّا في العديد من المناطق؛ بسبب انقطاع المياه.
أزمة بيئية
أفاد تقرير لشبكة “المرصد الاجتماعي – Social Watch“، وهي شبكة دولية من منظمات مدنية تهدف لمحاربة الفقر حول العالم، أن المغرب يتجه نحو أزمة بيئية، موضحًا أن 35% من مخزونات المياه الثمينة في المغرب تهدر بسبب أنابيب سيئة، كما أن المياه ملوثة بالنفايات الصناعية والحضرية.
يقول تقرير المرصد الاجتماعي إنه “في جميع أنحاء البلاد أصبحت الأرض أقل خصوبة، حيث تضيع الطبقات الصالحة للزراعة بسبب تلوث المياه وعوامل الرياح، وهناك تملح وتصحر، ويجري تطوير المناطق الحضرية على حساب الأراضي الزراعية، كذلك التعدين والمحاجر تتسبب في تدهور البيئة الطبيعية”.
ويبدو أن النظرة المستقبلية للمغرب ليست جيدة، حيث يتوقع بحث أجرته مؤسسة بروكينجز في الولايات المتحدة أنه نتيجة لتأثيرات تغير المناخ في جميع أنحاء المنطقة، من المتوقع أن يزيد متوسط درجات الحرارة بمقدار 3 درجات مئوية في المغرب بحلول عام 2050.ومن المرجح أن ينخفض معدل هطول الأمطار بنسبة 10% ، بينما سيزداد الطلب على المياه بشكل كبير.
خطة المغرب الأخضر
للتعامل مع هذا النقص في المياه وتأثير التغير المناخي، قامت الحكومة منذ العام الماضي برئاسة سعد الدين العثماني بإحضار مخططها “المغرب الأخضر”.
وتتضمن خطة “المغرب الأخضر” برنامجًا طموحًا للطاقة المتجددة، بهدف إنتاج أكثر من 50% من إمدادات الكهرباء في البلاد بحلول عام 2030 من خلال مزيج من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح.
كما وعدت الحكومة بإنفاق ملايين لتعزيز نظم الري الأكثر فاعلية وتشجع المزارعين على زراعة أشجار الفاكهة بدلاً من محاصيل الحبوب المستهلكة للمياه؛ في محاولة لتعزيز الحفاظ على المياه ومنع المزيد من تآكل التربة.
كما أن الخطط جارية لزيادة إمدادات المياه من خلال بناء ما يعتبر أكبر محطة لتحلية المياه في العالم على الساحل بالقرب من الوجهة السياحية أغادير.
لكن هناك عنصر أكثر إثارة للجدل في مخطط “المغرب الأخضر”، وهو رفع الدعم عن وقود الديزل وأنواع الوقود الأخرى، حسب قول الحكومة، لتشجيع استخدام أكثر كفاءة للطاقة. وعلى الرغم من الاحتجاجات، ألمحت السلطات بأنه سيتم رفع الدعم أيضًا على السلع الاستهلاكية الأخرى، بما في ذلك الدقيق والحليب.
يقول منتقدو الحكومة إن رفع الدعم لن يسبب سوى المزيد من المعاناة للفقراء، وإن المغرب سيصبح مجتمعًا منقسمًا على نحو متزايد مع استمرار مشكلة البطالة، لاسيما بين الشباب – ما يقرب من 50% من سكان البلد البالغ عددهم 36 مليون نسمة دون سن الخامسة والعشرين.
وفقًا للأرقام الرسمية، فإن معدل البطالة لا يتجاوز 11%، على الرغم من وجود مؤشرات على أن المعدل أعلى بشكل كبير، خاصة بين الشباب. ولمعالجة هذه القضية، تقوم حكومة العثماني بدفع عدد من الإجراءات الرامية إلى خلق اقتصاد أكثر انفتاحًا وجذب الاستثمارات الأجنبية.
يجري إصلاح القطاع السياحي بافتتاح فنادق فاخرة جديدة وملاعب للجولف ومطارات. كذلك يتم فتح صناعة التعدين، وهي جزء أساسي من الاقتصاد المغربي، أمام المستثمرين الأجانب. والهدف هو مضاعفة إيرادات التعدين بحلول عام 2025 وخلق 30 ألف فرصة عمل.
المشكلة هي أن كلاًّ من قطاعي السياحة والتعدين يستهلك كميات هائلة من المياه الثمينة. فملاعب الجولف على سبيل المثال يجب أن تروى باستمرار.
اندلعت الاحتجاجات في عدة مواقع تعدينية، في ديسمبر العام الماضي، كبلدة جرادة الفقيرة، الواقعة في شمال شرق المغرب النائي، لمقتل السكان المحليين اليائسين داخل مناجم مهجورة أثناء محاولتهم استخراج الفحم للحصول على مصدر للدخل.
وفي قرية إيميدر، على بعد 300 كم جنوب شرق مراكش، بدأ القرويون المحليون اعتصامًا منذ خمس سنوات في واحد من أكبر مناجم الفضة في إفريقيا، قائلين إن مواردهم المائية قد نفدت بشدة، وتسممت بسبب النفايات السامة.
يقول المخرج المغربي، نادر بوحموش، الذي يصنع فيلمًا وثائقيًّا عن احتجاج إيميدر “إن أول ضحايا التغير المناخي والظلم البيئي هم الفقراء.. الأماكن الأكثر تلوثًا هي الأماكن التي يعيش فيها الفقراء”.
The post المغرب بين طموحات الاستثمارات وفقه الأولويات appeared first on البديل.
ليست هناك تعليقات