الاثنين، 12 مارس 2018

السياحة تجدد شبابها.. منتجع ريفي في قلب الجيزة

البديل
السياحة تجدد شبابها.. منتجع ريفي في قلب الجيزة

على طريق سقارة الصحراوي، يوجد كثير من القرى السياحية المبنية على الطراز الريفي البسيط والمنتجعات القروية التي تقدم الأكل الفلاحي على صوت المزمار البلدي وأنغام الطرب الشعبي الأصيل في تناغم جميل، لترسم لوحة فنية جمالية تمثل للسائح الكثير، وتشمل السكن لمدة قصيرة مع الأكل وتوفر أيضًا واجهة سياحية للعرب والوافدين وبراح ومتنفس للمواطنين لقضاء أوقات فراغهم في إجازة نهاية الأسبوع أو الأجازات القصيرة في المناطق الزراعية القريبة لمعايشة العادات والتقاليد بالمجتمع الريفي والزراعي وشراء المنتجات الطازجة من المزرعة بأسعار مناسبة، سواء كانت منتجات زراعية أو حيوانية أو منتجات حرفية وتذكارية وفي الوقت ذاته، تحقق عائدا اقتصاديًا ودخلًا إضافيًا للفلاح نفسه أعلى بكثير من العائد الذي يحققه من الزراعة بمفردها، ما يسهم في توفير فرص عمل جديدة لأبناء المناطق الزراعية وتقليل الفجوة في الدخول بين سكان الريف والحضر، الأمر الذي يقلل من هجرة أهل الريف للمدن ومن ثم بقاء المزارعين في مزارعهم وتطويرها.

مشهد نهاري خارجي

المكان مقام على طراز ريفي خالص يقتبس من طابع القرية مشاهدها اليومية كافة؛ فالمبنى المقام على مساحة فدان ونصف به جزء كبير مبني من الطين على هيئة قباب تحيط بها الأشجار من كل جانب، وفي الناحية الأخرى، توجد مزارع النخيل على جانبي حمام السباحة، وبستان الورود الجانبي الذي يضفي على القرية جوا جماليا بهيجا وطابعا فنيا فريدا، تجاوره استراحة جانبية للاستجمام والعزلة برفقة المياه والزهور.

في الجوار، كانت تجلس سيدة ريفية لا تفارق الابتسامة وجهها؛ تجلس بزيها الفلاحي أمام فرن بلدي مبني من الطين وتشعله بـ«قش الأرز» والأخشاب وبجوارها خمسة ألواح خشبية لوضع الخبز البلدي عليها والذي تقوم سيدة أخرى بـ«خبزه» على ماكينة «القدوسية» قبل طرحه في عين الفرن المتقدة بالنار وبعد الانتهاء من «الخبيز»، يتم توزيع العيش ساخنا على الضيوف في جو ريفي متكامل.

هنا قرية العزبة

تقع قرية العزبة على مقربة من ترعة المريوطية بالهرم، وتم إنشاؤها منذ التسعينات؛ بدأت بمطعم صغير كانت الحديقة الموجودة حاليا جزءا منه، يقدم المطعم جميع المشروبات والوجبات للجروبات السياحية الأجنبية القادمة من منطقة أهرامات الجيزة، وبمرور الوقت، تم توسعة النشاط أكثر في محاولة لخلق جو ريفي مختلف بالاعتماد على المصريين لتقديم الأكل الريفي الخالص وتشكيلاته المتنوعة «فطير مشلتت، عسل، جبنة قديمة، مِشْ، محاشي، مشويات»، بالإضافة إلى برنامج ريفي شعبي متكامل يبدأ بفقرات رقص الخيل والتنورة على أنغام المزمار البلدي والتخت الشرقي الذي يسر الأجانب والمصريين على حد سواء، والملاهي الخاصة بالأطفال، وبدأت الوفود السياحية تنهال على القرية من كل مكان حتى اكتسبت العزبة شعبية كبرى.

تعد العزبة ضمن 5 قرى سياحية باقية في المنطقة الأثرية الواقعة على طريق سقارة الصحراوي من بين 12 قرية أخرى أغلقت أبوابها بسبب أحداث ثورة 25 يناير 2011 أو موجة التفجيرات القريبة من المكان أو لرغبة أصحابها والورثة في بيعها بعد تصاعد خسائرها وتحويلها إلى بلوكات خرسانية للاستثمار العقاري بعدما كانت أشبه بالمنتجعات الريفية لقضاء يوم ممتع بعيدًا عن زحمة المدينة وصخب الأحداث اليومية.

الضربة القاضية للسياحة الريفية داخل العزبة كانت مع وقوع أحداث اعتداءات الأقصر في نوفمبر عام 1997 والتي شهدت هجومًا إرهابيًا في منطقة الدير البحري بمحافظة الأقصر في مصر أودت بحياة 58 سائحا، وكان للعملية تأثير سلبي على السياحة في مصر وأحدثت هزة كبيرة كانت لها تداعياتها على قرية العزبة التي صارت شبه خاوية من الزائرين، بحسب أحمد بكير، مدير عام قرية العزبة السياحية.

هزة كبرى

وبعد تفجيرات الأقصر، بدأ التفكير جديًا في حل آخر بديل فجاءت فكرة فتح القرية أمام السياحة الداخلية وازدادت الأفواج المصرية إقبالًا على المكان الذي تم توسعته أكثر عبر شاليهات وحمام سباحة آخر، وبدأت انتعاشة قوية منذ عام 2000 استمرت لسنوات عشر حتى جاءت ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011، التي أحدثت شللا تاما وتراجع في أعداد الوفود الداخلية والخارجية على حد سواء.

أحداث العنف والشغب كانت في الجوار على بعد كيلومترات قريبة من مقرّ القرية في منطقة المريوطية بالهرم والتي كانت مأوى للبلطجية والخارجين على القانون، وتراجعت السياحة الريفية في القرية لأكثر من عامين حتى رحيل نظام الإخوان المسلمين، وهنا دخلت العزبة في طريق ثالث يؤشر للانهيار والإغلاق النهائي «شغلها يخسّر ما يكسبش»، وكانت نوعية الشغل بسيطة للغاية، ومستوى الضيوف الاجتماعي فقير والغالبية قادمة من دول شرق آسيا والأعداد قليلة ولا تشجع على الاستمرار حتى تراجعت من 1000 زائر يوميًا إلى 10 فقط عقب ثورة 25 يناير 2011، تزداد قليلًا إلى 40 شخصًا خلال يومي الإجازة، وبالتالي اضطرت إلى تقليص أعداد العمالة المصرية بالقرية من 150 قبل الثورة إلى 30 فقط بعدها.

غالبية الأسر المصرية عزفت عن قضاء الإجازات بالعزبة بسبب تراجع مستويات الأجور عقب قرار تعويم الجنيه بما لا يتناسب مع احتياجاتهم اليومية، فضلًا عن تفكيرهم في يوم ترفيهي، وبالتالي بدأ القائمون على القرية يفكرون جديًا في تقليل هامش الربح من أجل عنصر الجذب السياحي مرة ثانية.

نهضة متأخرة

في مفترق طرق، بدأت الأوضاع تستقر تدريجيًا في الفترة مابين 2014 -2015 وبدأ العمل داخل القرية يعود شيئًا فشيئًا، ويزداد الإقبال في المواسم والأعياد وخلال الإجازات الأسبوعية يومي الجمعة والسبت، ويتراجع الإقبال مع دخول المدارس وفي منتصف الأسبوع، وكانت الأسعار تتراوح ما بين 100 -120 جنيها لليوم الواحد في العزبة، بالإضافة إلى 200 جنيه لإيجار الغرف الداخلية من الشاليه.

ولم تخل الأجواء الجميلة من بعض السلبيات، حيث صب مدير القرية جام غضبه على هيئة تنشيط السياحة، التي وصفها بـ”فاشلة” في تشجيع السياحة في ظل ما يعانيه القطاع السياحي من نواحي شتى رغم أنه الوحيد في الدولة الذي يضخ عائدًا مباشرًا بالعملة الصعبة لحظة بلحظة ويعمل به فئات عديدة من المصريين (فنيين، عمال، تجاريين) وغيرهم، لكنه لم يحظ بالاهتمام والدعم الكافي حتى الآن ويحتاج إلى ثورة حقيقية شاملة وحملة دعائية واسعة في الدعاية والتسويق مع تقديم دعم جزئي للقطاع والعاملين به ولو في صورة إعفاءات ضريبية أو في البناء والتشييد وتسهيل الإجراءات في سبيل ذلك.

الجذب السينمائي

الجو الريفي الخالص والمساحات الخضراء الواسعة والأكل الفلاحي والبيوت المبنية من الطين والقائمين على الخدمة يرتدون الزي الفلاحي، كلها عوامل جذب كبيرة بالنسبة لمخرجي الدراما التليفزيونية والأفلام السينمائية الذين يحرصون على اختيار Location  العزبة لتصوير بعض المشاهد السينمائية التي توحي بطبيعة البيئة الريفية والحارة الشعبية على أن يتم إيجار اليوم بالكامل بأجر رمزي مقابل أن تظهر القرية على تتر المسلسل أو أفيش الفيلم.

وقال بكير إن عددا من الأعمال الفنية الخالدة تم تصوير مشاهدها داخل القرية؛ أبرزها مسلسل “ليالي الحلمية”، و”جوز ماما”، وآخرها فيلم تامر حسني الجديد “البدلة” وغيرها من الأعمال الدرامية التي لا تُنسى.

أماكن أغلقت أبوابها

لم تكن قرية العزبة المكان الوحيد الجاذب للسياح والزائرين المصريين والعرب في منطقة سقارة، بل توجد قرى أخرى سياحية لا تقل شهرة عنها، بل ربما كانت تفوقها وفي مقدمتها مطعم “الدار” و”عش سقارة”، لكن الأخيرين تم بيعهما مؤخرًا وتحويلهما للاستثمار العقاري وتم تقسيمهما لمبان وبلوكات خرسانية وكان مطعم “الدار” يمزج في تكوينه بين الطابع الريفي والطراز الإسلامي المقام على مساحة كبيرة من الأرض (فدان ونصف) تقريبا.

أما مطعم سقارة السياحي الواقع عند منطقة أبوصير، فكان مخصصا للأجانب فقط واكتسب شهرة واسعة، لكنه توقف منذ شهرين وكذلك قرية “فلفلة” التي تعد من أوائل القرى السياحية في منطقة الهرم، حيث أقيمت في الثمانينات على غرار الطراز الريفي وحضر افتتاحها الرئيس الأمريكي جيمي كارتر، لكن قبل أشهر تم بيعها من قبل الورثة وتحويلها لمبان عقارية.

أماكن أخرى للجذب السياحي

على نفس الطريق (سقارة الصحراوي)، توجد عدّة أماكن أخرى للسياحة الريفية لا تبعد أكثر من ساعة عن قلب العاصمة، وبإمكان الوافد العربي أو السائح الأجنبي أو الزائر المصري قضاء يومي “الويك إند” بها؛ من بينها “سقارة كانتري كلوب” وتوجد بها قرية سياحية ملحق بها فندق 3 نجوم، التي تقدم برنامجًا ترفيهيا شاملًا للزائرين، لقضاء يوم كامل منذ العاشرة صباحًا حتى الخامسة مساءً، وسط أجواء غامرة بالبهجة من الطبيعة الساحرة والخضرة والماء وحمامات السباحة مع تناول وجبتي الإفطار والغذاء والمشويات، مقابل 250 جنيها في اليوم.

الوضع في قرية “سقارة بالم كلوب” التي لا تبعد سوى خطوات معدودة عن سابقتها لا يختلف كثيرًا وهي الأخرى تقدم برنامجًا ترفيهيًا مشابهًا لكانتري كلوب ويضم حمام السباحة مع وجبة الغذاء والمشروبات والمشويات مقابل 200 جنيه، ويوجد بالقرية ملاعب كرة قدم واسكواش وتنس وملاهي للأطفال وركوب الخيل بأجر رمزي.

  

The post السياحة تجدد شبابها.. منتجع ريفي في قلب الجيزة appeared first on البديل.


ليست هناك تعليقات

جميع الحقوق محفوظة لــ مدونة عربي التعليمية 2015 ©